الوطن

اعتمادات «المركزيّ» فجّرت الأزمات… رسالة سلامة للحكومة؟

} محمد حميّة

غادر وفد صندوق النقد الدولي لبنان وسط تكتم حكومي شديد حيال نتائج الاجتماعات ومضمون الاتفاق بين الحكومة والوفد! لكن المعلومات المتوافرة تفيد بألا اتفاق حتى الساعة والمشاورات اقتصرت على استطلاع حقيقة الواقع المالي والاقتصادي في لبنان وتبادل المعلومات والأسئلة والأجوبة.

أما على جبهة الحكومةحاكم البنك المركزي وجمعية المصارف فلم ينجلِ غبار المعركة التي تدور في الكواليس بين الطرفين، مع معلومات تفيد بأن سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير يصرّان على دفع استحقاق آذار ويُصار بعده للتفاوض حول استحقاقات نيسان وحزيران في مقابل موقف رئاسي وحكومي حاسم بالرفض وبإعادة جدولة كامل الدين العام بما يشمل استحقاق آذار يعبر عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بشكل متكرّر

 وبحسب معلومات «البناء» من مصادر مطلعة فإن «الاجتماعات التمهيدية بين الحكومة ووفد صندوق النقد الدولي انتهت واطلع الوفد على الواقع المالي والاقتصاديّ للدولة وجمعوا بعض المعلومات وأجروا مجموعة من الإحصاءات والدراسات وكوّنوا رؤية عامة عن الوضع تمهيداً لتقديم مشورتهم حيال إعادة جدولة الدين خلال الايام القليلة المقبلة»، ولفتت المصادر الى أن «الوفد طلب بعض الوقت لمشاورة إدارة الصندوق من ثم إعداد دراسة بناءً على المعطيات التي جمعوها في لبنان على أن يعودوا الى بيروت لتقديم اقتراحات بشأن مسألة الديون»، وتضيف الى أن «الوفد ركز على موضوع تحرير سعر صرف الليرة وإصلاح النظام الوظيفي والضريبي ومكافحة الهدر والفساد».

وقالت أوساط رسمية لـ»البناء» إن «الحكومة ليست ملزمة باقتراحات الصندوق بل ترى ما يتناسب مع المصلحة الوطنية»، وأكدت «إصرار الحكومة على إعادة جدولة الديون بما يشمل استحقاق آذار اضافة الى تعيين مكاتب محامين لمواجهة أي احتمال لرفع دعاوى على الدولة اللبنانية جراء عدم السداد». كما علمت «البناء» أن الحكومة اتفقت مع 7 شركات دولية ستتولى التفاوض مع الشركات الممثلة للدائنين الأجانب».  

وأوضح خبير في القوانين المالية الدولية لـ»البناء» أن «لبنان غير ملزم على تنفيذ اقتراحات صندوق النقد لكن ذلك سينعكس سلباً على دور الصندوق بمساعدة لبنان في إقناع الشركات الممثلة للدائنين للوصول الى حل توافقي لإعادة جدولة الدين»، وعن المخاطر المحيطة بوضع اليد على اصول الدولة وممتلكاتها واحتياطات المصرف المركزي من الذهب بيّن الخبير «أنه من الصعب حصول ذلك رغم وجود سابقة في الأرجنتين، لكن المسألة معقدة من الناحية القانونية».

لكن ما لفت الانتباه هو إعادة تحريك بعض الأزمات الحياتية في وقت واحد ومشبوه، علماً أنها كانت مضبوطة الى حدٍ من أزمة الخبز والمحروقات الى الكهرباء وارتفاع سعر صرف الدولار ما يدفع للتساؤل عن علاقة إعادة تفجير هذه الملفات التي تمس المواطنين وأمنه الغذائي بشكل مباشر بالصراع بين الحكومة وتحالف البنك المركزيجمعية المصارف حول إعادة جدولة الدين لا سيما أن البنك المركزي معني بمعالجة هذه الازمات من خلال تأمين الاعتمادات اللازمة بالدولار للشركات لاستيرادها. فهل تأخير «المركزي» للاعتمادات رسالة تحذيرية للحكومة لما يمكن أن تؤول اليه الاوضاع اذا ما تجاوزت المصارف وسلامة وأصرّت على إعادة الجدولة؟

وما يثير الشك أكثر هو ما كشفه رئيس نقابة المحطات فادي ابو شقرا عن وجود «بواخر متوقفة في البحر تحتاج الى تحرك من مصرف لبنان الذي عليه تأمين الاعتمادات لتباشر بتفريغ حمولتها». فيما يعزو أصحاب الأفران والمخابز سبب أزمتهم الى ارتفاع سعر صرف الدولار. علماً أن خبراء في الاقتصاد يربطون بين ارتفاع سعر صرف الدولار الى رقم قياسي وبين التوجّه الحكومي الجديد بمسألة الديون!

وعلى ضفة المواجهة الداخلية، تبدو المواجهة الخارجية أشدّ شراسة مع استمرار الضغوط الخارجيّة على لبنان كالتهديد بمزيد من العقوبات المالية تارة وخفض درجة التصنيف الائتماني الى حد درجة الإفلاس ووضع اليد على أصول الدولة وممتلكاتها في الخارج تارة أخرى وصولاً للتهديد بحرب إسرائيلية عسكرية على لبنان.

كل ذلك وسط لامبالاة غربية خليجية عربية تجاه أزمة لبنان باستثناء بعض المواقف الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ما يستبطن في طياته ضغوطاً على لبنان لدفعه أثماناً باهظة لكي تقوم هذه الدول بمساعدته. فإحدى تلك الدول لا سيما السعودية لم تعرض أي مساعدة جدية على لبنان.

وفيما لفت مصدر رسمي مالي سابق الى أن درجة التصنيف الائتماني هي اتفاق بين جهات خارجية وجهات رسمية مصرفية لبنانية للضغط على الحكومة، تخوّفت مصادر سياسية في 8 آذار من مماطلة صندوق النقد والمؤسسات المالية في مساعدة لبنان التقنية او المالية، مشيرة لـ»البناء» الى أن «الإصلاحات التي يتحدث عنها الصندوق تخفي أهدافاً مالية وسياسية ستترك تداعيات اجتماعية خطيرة كموضوع رفع الضريبة على القيمة المضافة وصفيحة البنزين وغيرها»، موضحة أن «لبنان لن يقبل أي مشورة او دعم مالي على حساب سيادته وثرواته وحدوده أو وحدته الداخلية وعلاقته بالدول المجاورة والصديقة كسورية أو إيران».

ودعت المصادر «الحكومة الى وضع خيارات بديلة على الطاولة إذا رفض المجتمع الدولي دعم لبنان او قرن دعمه بشروط سياسية تمسّ بالتوازن السياسي والوضع الاجتماعي اللبناني، ومن هذه الخيارات إعادة تصحيح العلاقات الرسمية مع سورية لما فيه من مصلحة اقتصادية وتجارية مع دول المنطقة». 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى