الوطن

الحريري إلى بيروت الأسبوع المقبل… هل يبدأ حرباً على الحكومة لحماية موقعه السياسيّ؟

 محمد حميّة

يترك رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حجْره الصحي في باريس ويتوجّه الى بيروت الأسبوع المقبل كاسراً القرار الحكومي بالتعبئة العامة وحظر التجول مع ما تحمله عودته من مخاطر صحية جراء انتشار وباء «كورونا».

كيف سيعود الحريري في ظل إقفال معظم دول العالم حدودها البرية وتوقف رحلاتها الجوية؟ وهل هناك طائرة خاصة ستقلّه الى لبنان؟ وما هي الأسباب التي تدفعه للعودة في ظل الظروف الصحية والاقتصادية والسياسية الصعبة التي يواجهها لبنان؟ علماً ان «الشيخ» ومنذ خروجه من المشهد الحكومي ابتعد عن الواجهة السياسية واختار «الحَجْر السياسي» في باريس التي قضى معظم وقته فيها خلال الشهور القليلة الماضية!

وبحسب مصادر «البناء» فإن مستجدات سياسية ومالية توالت خلال الفترة الاخيرة أملت على الحريري العودة على عجل الى بيروت لوضع خطة للتعامل مع هذه الأحداث والوضع الجديد. فما هي معالم هذا الوضع المستجد؟

لم يكن الحريري الإبن يتوقع لحكومة الرئيس حسان دياب أن تصمد الى هذا الوقت أمام الصعوبات المالية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة والتعقيدات السياسية الداخلية والخارجية التي يدركها الحريري جيداً، فجُل دور حكومة دياب بحسب توقعات بيت الوسط هو تمرير المرحلة وتعزيل «أوساخ» الحكومات المتعاقبة وتحمل مسؤولية الانهيار المالي إن حصل الى حين تبلور الظروف الاقليمية والدولية والداخلية تسمح للحريري بالعودة على حصان أبيض الى القصر الحكومي على أنقاض حكومة دياب.

وعلى الرغم من بعض الإنجازات التي حققتها حكومة دياب من استيعاب الشارع وإقرار موازنة 2020 وقرارات التقشف المالي وإعادة هيكلة الدين العام. لكن حتى هذا الحد كانت الامور تسير بشكل عادي بالنسبة للحريري و»ملائكته» في بيروت، فلا شيء يدعو للقلق ولم تصل الحكومة ورئيسها و»إنجازاتها» الى حد الخطر على «المنظومة الحريرية»، فالتوقعات كانت ان الحكومة لن تستطيع مواجهة الغضب الشعبي ولا الخلافات السياسيّة بين مكوّناتها ولا طلبات المجتمع الدولي ولا الانهيار الاقتصادي والمالي ولا ارتفاع سعر صرف الدولار وهيكلة الدين. إذ كان المستقبليّون والمقرّبون من بيت الوسط يهمسون ويغمزون في مجالسهم الخاصة بأن الحكومة لن تصمد أكثر من شهرين.

لكن أداء الحكومة الجيد في مواجهة كورونا قياساً بعجز حكومات دول العالم الغربي، خصوصاً لاقت تعاطفاً ودعماً شعبياً واسعاً وفي مختلف الشرائح الشعبية والسياسية.

فبحسب معلومات «البناء» فإن هدف عودة الحريري هو محاولة منه لإنقاذ موقعه السياسي وإرثه ومواقعه في الدولة الأمنية والمالية والقضائية والادارية قبل أن تتمكن الحكومة من بسط سيطرتها وتثبيت ركائز حكمها ولكي لا يتمكن حسان دياب من سحب البساط من تحت رجلي «الزعامة السنية التقليدية» المتمثلة بالحريرية السياسية.

وبحسب المعلومات، فإن الحريري لم يكن بوارد العودة خصوصاً في ظل حراجة الوضع الصحي، لكنه تلقى نصائح من رؤساء الحكومات السابقين وبعض المقربين منه ومن بعض الجهات السياسية المعارضة بالعودة على عجل لإنعاش جبهة المعارضة للحكومة لا سيما بعد حركة دياب الميدانية في المستشفى الحكومي والمحال التجارية واعادة المغتربين التي تركت ارتياحاً شعبياً كبيراً الى جانب نجاح وزارة الصحة المتقدم بمواجهة الفيروس القاتل والوزارات الأمنية من الداخلية والدفاع الى حد تلقت الحكومة تنويهاً من أخصامها السياسيين كالقوات اللبنانية لا سيما بعد جولة وزير الصحة في بشري اضافة الى خطة الدعم الحكومية للعائلات الفقيرة.

 الا أن ما سرع بعودة الحريري هو ملف التعيينات المالية في حاكمية البنك المركزي ونية الرئيسين ميشال عون ودياب الإطاحة بنائب الحاكم المنتهية ولايته محمد بعاصيري والهجوم العوني الشرس على مدير عام شركة طيران الشرق الاوسط محمد الحوت والحاكم رياض سلامة والاستجواب الحكومي لسلامة في جلسة الحكومة الأخيرة وتوجه رئاسي حكومي لمساءلة الحوت على خلفية ملف قانوني يُحصي مخالفاته يحضره المكتب القانوني في التيار الوطني الحر.

 فيخشى الحريري أن تتمادى الحكومة في تحقيق الانجازات مستغلة عجز المعارضة عن تحريك الشارع ضد حكومة دياب بسبب الانعزال الشعبي في المنازل وتمرير قرارات من جهة ثانية قد تطيح بمواقع نفوذ كبيرة للحريري في الدولة ويعود بعد شهور ليرى أن الساحة قد «فلتت» من يديه وتمكن دياب من تثبيت ركائز حكمه رغم إعلانه المتكرر أنه لا يملك طموحاً سياسياً.

لكن الحريري الذي حُرم الغطاء السعودي منذ التسوية الرئاسية حتى الآن ولم ينجح في خرق «الفيتو الملكي» عليه، بحسب معلومات «البناء»، وفي ظل عدم تمسك الفرنسيين به في هذه المرحلة وانشغال الولايات المتحدة الاميركية في مواجهة تداعيات كورونا التي احتلت الموقع الاول من حيث عدد الاصابات والوفيات ودخول رئيسها ترامب في «كوما» الانتخابات الرئاسية، فلم يبقَ للحريري سوى منظومته المتمثلة بالمصارف و»الحاكم» ومجلس الإنماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة وشركة الميدل إيست وأوجيرة والاتصالات ومدعي عام التمييز والمدير العام لقوى الامن الداخلي. علماً أنه وبحسب معلومات «البناء» فإن العلاقة متوترة بين دياب ورئيس الهيئة العليا للإغاثة على خلفية المساعدات المالية والاجتماعية.

 فها هو الحريري يعود لحماية هذه المواقع على الاقل إن كان عاجزاً عن العودة الى السرايا الحكومية والى جنة السلطة. علماً ان الحريري وخلال مفاوضات التكليف اشترط لموافقته على أي مرشح التزامه بشرطين: تقديم استقالته بعد ثلاث شهور، وعدم المس بمواقع المستقبل في الدولة. فخلفاؤه في السرايا السنيورة وميقاتي وسلام يخشون بحسب المصادر من انهيار المنظومة الحريرية وبالتالي وصول النار الى «محمياتهم» تيمناً بالمثل القائل «أٌكلت يوم أكل الثور الابيض». وبحسب المعلومات فإن الحريري عبر التسريبات في الإعلام أو من خلال تواصله مع المسؤولين الرسميين يعمد الى تكرار لازمة التهديد باستقالة نوابه من المجلس النيابي اذا ما وجد نفسه محاصراً.

فالحريري بحسب ما تقول مصادر نيابية مستقبلية لـ»البناء» لن يقبل ومهما كان الثمن المسّ بمواقع المستقبل الذي يعتبر أنه ممثل طائفته الحصري ويطعن بتمثيلها في كل المواقع السياسية والوظيفية لا يكون ممن يسميهم وينتمون إليه، مشيرة الى أن الحريري لا يزال «رمز السنة» في لبنان ومدعوم من «الشارع السني» ورؤساء الحكومات السابقين والمرجعية الدينية، مضيفة أن «دياب لا يمثل السنة فالكل يعرف موقعه وحدوده»، في اشارة الى دياب. كما تؤكد المصادر أن الحريري لن يقبل بالانتقائية في فتح الملفات لا سيما التصويب على شركة الطيران الشرق الاوسط ومصرف لبنان والتعمية عن عجز 45 مليار دولار في الكهرباء.

فكيف سيواجه الحريري وما هي أدواته؟

بحسب المطلعين، فإن الحريري سيعمل في ظل الحجر المنزلي القائم على تحريك ما تيسر له من الشارع ضد الحكومة تحت عناوين متعددة على رأسها مواجهة الخطة المالية للحكومة التي تتضمن بحسب المسرّب منها وغير المؤكد بند «قص الودائع»، والملف الثاني هو أزمة الكهرباء الى جانب تجييش الجمهور المستقبلي والسني عموماً لجهة نية الحكومة المسّ بالمواقع السنية في الدولة. والى حين انتهاء الحجر المنزلي وزوال خطر كورونا سيعمل الحريري على تعزيز الجبهة السياسية للمعارضة من القوات والاشتراكي والكتائب للانقضاض على الحكومة.

 أما على الجبهة المالية الاقتصادية، فإن الفريق المستقبلي، بحسب ما قالت مصادر الحريري لـ»البناء»، يحضر خطة اقتصادية مالية مقابلة للخطة الحكومية تتبلور خلال أسبوعين إلا أن المصادر أوضحت أن التوجه الحريري هو الابتعاد عن مهاجمة الحكومة الآن لمنحها فرصة، وباستثناء تغريدة الحريري لم تخرج أي انتقادات من المستقبل للحكومة ريثما تحين الظروف المناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى