الوطن

ليكفّ السياسيون عن فعل «الحيص بيص» بالناس…!

} علي بدر الدين

لا تزال الطبقة السياسية القابضة على مقاليد الحكم والسلطة منذ عقود تبدع في إنتاج وسائل وأساليب استمرار الإمساك بالسلطة وفي كلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها، ودائماً تنجح في مناوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولديها ما يكفي من دهاء ونفوذ وقوة لإشغال الشعب اللبناني وإلهائه ودسّ السمّ في مواقفها وقراراتها وإقناعه بأنها وجدت لخدمته والارتقاء بالوطن والدفاع عن حقوقه المهدورة والمصادرة، ولرفع كوابيس الظلم والفقر والمجاعة عنه من دون أن يرى ترجمة لما يسمعه لأنّ ما تقدّمه له هذه الطبقة لا يعدو كونه مجرد جرعات مهدّئة وتخديرية ليبقى مطيعاً وصامتاً وتابعاً ولا حول له ولا قوة ولا قرارودائماً غبّ الطلب لتنفيذ الأوامر من دون أن يحقّ له السؤال والاستفسار على قاعدة نفذ فقط ولا تعارض، وإذا شاء القدر ورفع هذا الشعب المغلوب على أمره صوته مطالباً المسؤولين من الدرجة الأولى أو من ينوب عنهم بالقليل من حقوقه كإنسان له احتياجاته الحياتية والمعيشية يستنفر هؤلاء ضدّ هذا الصوت لأنه تجرّأ على أسياده وأولياء نعمته ودخل دائرة المحرمات التي لا يحق لأحد أن يمسّها او يخترقها لأنّ دونها الفتنة وقد تجرّ الجميع الى الحرب الأهلية. وقد شهدنا فصلاً من فصولها الخطيرة في السادس من حزيران الحالي على خلفية حراك الشارع الذي ينقسم اللبنانيون حول أهدافه المحلية والخارجية لطبيعة العناوين والشعارات التي رفعت والتي تناثرت شظاياها في كلّ الاتجاهات والمحرمات، وانّ بعضها تجاوز الخطوط الحمر المرسومة بدقة وخبث على قنابل طائفية أو مذهبية موقتة يتمّ تفجيرها عند الضرورة الفتنوية، ولا يحق لأحد أو فئة أو مجموعة ان تنزع فتائلها أو تخمد وهجها قبل تقاطع المصالح السياسية والطوائفية والمذهبية المشتركة بين أصحاب المصلحة، وعندما يشعرون بالخطر الأتي من الشعب المقهور الذي ممنوع عليه أن يقول إنه جائع أو فقير أو مريض أو موجوع.

ما دامت هذه الطبقة السياسية متماسكة وقوية وكاتمة أنفاس الناس وقادرة بعصا السلطة والنفوذ ان تدافع عن الأموال التي نهبتها وعن امتيازاتها التي اغتصبتها لن تلجأ إلى أكثر من تحريك الوتد الفتنوي الشيطاني وبإجراء مناورات سياسية حيناً أو اقتصادية أو معيشية كما حصل مؤخراً في ما يتعلق بسعر صرف الدولار صعوداً سياسياً مبرمجاً ومقصوداً أو هبوطاً لإرضاء المواطن وإسكاته وإبداء الإشادة بالسلطتين السياسية والمالية لاعتقادهما انها ستهدّئ من غضب الناس مع انّ قراراً من هذا النوع لن يمرّ وليس واقعياً، وإذا كان مجدياً لماذا لم يتخذ عند بدء الأزمة بدلاً من تفاقمها وتداعياتها ومن أين سيأتي مصرف لبنان بهذه الكمية من الدولارات ليضخها في السوق؟

القرار الخادع سرعان ما انكشفت مراميه والغاية منه ولم يصمد سوى ساعات بذريعة تفلّت السوق السوداء التي لا يقدر أحد في الدولة على فكّ ألغازها وطلاسمها ومن يتحكّم بها ويديرها وكأنها تحصل في فضاء خارجي.

التلاعب بأعصاب المواطنين ولقمة عيشهم واستقرارهم الأمني والمعيشي والاجتماعي لم ينته فصولاً بعد وهو مستمر بعناوين وأشكال مختلفة تارة بالخطاب الطائفي والمذهبي وطوراً بالبكاء على أطلال ما تعرّضت له الممتلكات الخاصة في بيروت، وطبعاً هذا مُدان من فعل أيّ جهة كان مع أنّ مناطق أخرى أصابها ما أصاب العاصمة أو أقلّ وكأنّ ما حصل وليد اليوم والساعة وليس تراكمات من الفساد والفوضى والتهييج والتعبئة اليومية وكأنها دعوة الحرب المرتقبة. وبتنا نرى خطوط تماس خطابية واتهامية وإشغال المواطن بها والقفز فوق المشكلة الحقيقية لما تعاني منه البلاد والعباد من أزمات ومشكلات وضغوط وفقر وجوع وأمراض مزمنة ومتراكمة ولا تزال رغم الوعود بالإصلاح والتغيير والقرارت الجريئة التي تبدو شعبوية وإعلامية أكثر من أنها واقعية أو في طريقها إلى التنفيذ ولكننا لن نيأس وسنصدّق الوعود وننتظر الإنجازات الفعلية ونراهن على ما وعد به رئيس الحكومة حسان دياب في كلمته أمس الأول رغم تكرار بعض ما جاء فيها والأمل ان لا يسير على خطى الحكومات السابقة التي خذلت الشعب وأفقرته وجوّعته وأفلست البلد

على رئيس الحكومة الذي قال انّ لبنان ليس مفلساً ان يقوّض أسس الفساد ويكشف الفاسدين ومحاسبتهم ويعيد الأموال التي سطت عليها المصارف بالتواطؤ مع الحاكم والسلطة ولن يحكم على هذه الحكومة بالإيجابية أو يعلق عليها الآمال إلا عندما يرى فعلاً وليس قولاً ووعوداً.

ونقول للسياسيين موالين ومعارضين أو بينهما والذين ما زالوا يراهنون على جبروتهم وظلمهم قوة نفوذهم السلطوي والمالي. احذروا دورة الأيام ولا تعتقدوا انكم بمنأى عنها، ففي اية لحظة قد يدور الزمن ضدّكم ويدمّركم لأنه ليس لهذه الدنيا أمان حتى وإنْ نجحتم بترويضها لبعض الوقت الذي طال على اللبنانيين، فسوف يأتي دوركم وتدور عليكم وتغلبكم ويذهب ريحكم.

وكفاكم فعل «الحيص بيص» بشعبكم، وهل خطأ هذا الشعب أنه وثق بكم وأعاد إنتاجكم فوقع بالمصيدة التي نخرت عظامه وحوّلته الى مجرد دمى يتمّ تحريكها عن بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى