أولى

حروب الطاقة والبحار الأمر لنا شرقاً وغرباً…!

 محمد صادق الحسيني

من اللاذقية الى طنجة، ومن بغداد الى عدن، ومن البصرة الى بنت جبيل مروراً ببيروت كليمة البحر المتوسط وكتف الجبل الاشم، ومن هرمز الى باب المندب، ومن البحر الأسود الى خليج فارس والاسكندرية، سنبقى نحن أصحاب الراية الخفاقة والامر لنا ما دمنا على بينة من امرنا…!

وحتى نعرف ماذا يجري في بيئتنا الاستراتيجية المحيطة بنا، ونتمكن من قراءة تفاصيل ما يجري على ساحاتنا التي تقاوم الهيمنة الأميركية وكلب حراستها الإسرائيلي المنزوي والمعزول والخائف المترقب، في كل من لبنان وسورية والعراق وقبل ذلك وبعده في إيران الجمهورية الإسلامية لا بد لنا من توسيع زاوية الرؤية قليلاً حتى لا نغرق في تفاصيل الحدث اليومي الذي يبدو احياناً وكأنه هو كل شيء فيما هو ليس الا مشاغلة مقصودة لحرف الرؤية الاستراتيجية…!

او كما يقول اخوتنا في العسكر ليس سوى طابور إزعاج في مناورات واسعة النطاق…!

لقد تمكن على مدى السنوات التي مضت حلفنا حلف المقاومة من كسر ارادة الطاغية الأميركي في سورية بشكل قطعي ونهائي وما تبقى من الارض التي لم تتحرر بعد، ليس سوى معارك صغيرة ينتظر حسمها مع اكتمال المنظر الاستراتيجي…! هذا فيما أجبر هذا الحلف، أميركا على الرضوخ لإرادة العراقيين بضرورة الرحيل من بلاد الرافدين ضمن جدولة يرتب لها في ظل «محطة حكومة الكاظمي» المؤقتة التي تشكل جسر عبور الى ما بعد صفعة عين الأسد التاريخية…!

ومن الآن حتى تنضج انتفاضة أهل باب المندب الحوثية الأنصار اللهية وقيامة الصعود الى الجليل العاملية ونضوج مقاومة جولان العروبة، كان لا بد من تعاون ذي بعد استراتيجي مع الصديق الروسي من شأنه أن يثبت إنجازات حلف المقاومة ويساهم في اضعاف جبهة او معسكر محور الشر الأميركي وتصدعه في زمن تآكل قدرات المركز الحامي الذي يتخبط داخلياً وخارجياً على أكثر من صعيد، الا وهو الشيطان الاكبر…!

هذا العدو الأميركي المنكسر والمهزوم في ميادين حلف المقاومة، وتحديداً على أبواب دمشق وأسوار بغداد وبطون بيروت وتخوم صنعاء، وبعد شد وجذب داخليين يبدو انه حسم امره في اعتماد الرئيس التركي أردوغان شرطياً لمصالحه وكلب حراسة لنفوذه وهو الوكيل العام والحارس المعتمد لمرمى الناتو جنوباً..!

في هذه الأثناء فإن الصديق الروسي المتحالف معنا بجد وتوافق طويل الأمد ضد الإرهاب فقد قرر ومنذ مدة اتخاذ استراتيجية عدم القطع مع الشيطان من خلال مفاوضته عبر الوكيل وشرطي المصالح الغربية وجهاً لوجه في الميدان، كما في أروقة السياسة والديبلوماسية وهو ما يقوم به بشكل مستمر منذ وقت طويل نسبياً..!

لكن هذين الرأسين المتواجهين دولياً في بيئتنا الاستراتيجية اي موسكو الحليفة لنا وواشنطن العدوة لنا، هما في صراع لا يستقر ولن يهدأ في المنظور القريب مهما ظهرت علائم خفة حدة هذه المواجهة هنا او هناك وأشد الميادين حدة في الصراع ستبقى دائماً هي ميادين الطاقة وبشكل أخص في جغرافيا شرق المتوسط…!

وربما كانت أحدث مواجهة بين الطرفين في هذا السياق هي ما يجري في هذه الساعات على أبواب الهلال النفطي الليبي الممتد من سرت على الساحل مروراً براس لانوف وأجدابيا وصولاً الى الجفرة نحو 700 كم جنوباً باتجاه الحدود التشادية!

حيث أوقفت غارات القاذفات الروسية ومسيٌراتها زحف حكومة الوفاق الموالية لتركيا عند أطراف مدينة سرت بهدف تثبيتها كمحاور تماس بينها وبين جنرال الحرب الفاشل في المشروع الأميركي الغربي لتقسيم ليبيا خليفة حفتر…!

حفتر الورقة الخاسرة والتي باتت في حضن الإسرائيليين بعد ما طلب مساعدتهم بشكل علني، كما ورد في الصحافة الإسرائيلية…!

وهدف الروسي هنا واضح، ألا وهو حتى يتمكن القيصر الروسي من تثبيت نفسه شريكاً في مستقبل صناعة القرار الليبي وأيضاً مدافعاً عن الأمن القومي المصري ليضمن حضوراً وازناً في مصر ومن ثم لمقايضة وكيل الناتو وشرطي الأميركيين أي أردوغان حصته في الهلال النفطي الليبي بتعهدات جديدة للخروج من شرق الفرات وشمال سورية إن أمكن..!

ولهذا السبب تحديداً تأجل اجتماع لافروف وشويغو مع نظيريهما التركي الذي كان مقرراً أمس الأحد…!

ولمن يقرأ في الأعماق وفي الاستراتيجيا الروسية فإن كل ذلك يصب عملياً في استراتيجية موسكو الباحثة عن حزام أمني سياسي محكم ومترابط على امتداد ساحل شرق المتوسط من بحر اللاذقية حتى جبل طارق لحماية مصالحها و»مواقع نفوذها الصديقة» أمام اطماع الغرب الأوروبي المتمثل بالناتو ومن ورائه الأميركي القادم من اعالي البحار…!

هذه معركة طويلة الأمد بالنسبة لهذين الرأسين، وسيكون فيها علو وهبوط وتجاذبات كثيرة، ما يهمنا فيها أن نبقى نحن بيضة القبان دائماً بما يحمي مصالحنا النفطية والغازية والتي هي منة الله علينا وليست منة الغرب او الشرق وثوابتنا الوطنية والثقافية والحضارية وطرق تجارتنا ومضائقنا التي لا حياة للغرب كما للشرق الا بها ومنها وهذه نقاط قوة ثابتة لصالحنا في الصراع بين الحق والباطل في جغرافيا آخر الزمان..!

بعدنا طيبين قولوا الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى