مقالات وآراء

تصعيد أميركي ضدّ الصين وسط مخاوف من استهداف متعمّد لحاملة طائرات

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

ملاحظة: سنستعرض مسألتي التصعيد الأميركي ضد الصين وحريق حاملة الطائرات الأميركية، «بونوم ريتشارد»، ولا نستبعد عامل تقارب الصين وإيران في تأجيج منسوب الغضب الأميركي، لسبر أغوار نوايا واشنطن العدوانية في الهزيع الأخير للرئيس دونالد ترامب.

 «الولايات المتحدة عاجزة عسكرياً وسياسياً» عن مواجهة الصين في المرحلة الراهنة، جملة تختصر المشهد السياسي الراهن من قبل محلّلين عسكريّين أميركيّين، بعد إصدار وزير الخارجية مايك بومبيو بياناً شديد اللهجة يتوعّد فيه بكين، على خلفية تواجد عسكري مكثف للبلدين في بحر الصين الجنوبي.

 تصعيد أميركي جسده بيان للخارجية وعزمها في البدء بسياسة «جديدة» ضد الصين، أعلن فيه بومبيو بأن الأخيرة لا يتوفر لديها مبررات قانونية لبسط سيطرتها على منطقة بحر الصين الجنوبي. أحد أشكال حملة التصعيد كان عقوبات ضد كبار شخصيات سياسية صينية وضغوطاً اقتصادية ضد مصالحها أثمرت بتراجع لندن عن تعهداتها السابقة لكبريات شركات الاتصال الصينية، هواوي، بمنحها العمل على تحديث شبكات اتصالاتها بالجيل الخامس. الصين تردّ بأنّ ساسة واشنطن «فقدوا عقولهم».

 بكين أعلنت التزامها بسياسة «ناين داش لاين Nine-dash Line»»، التي تعتبر أن لها حق التصرف بما لا يقل عن 90% من مياه بحرها الجنوبي، الذي تبلغ مساحته الإجمالية 3،5 مليون كم2، وأنشأت جزراً اصطناعية محصنة هناك للأغراض العسكرية.

 سياسة واشنطن الرسمية، قبل بيان بومبيو، كانت تلتزم الحياد نوعاً ما في ما يخص نوايا بكين، والقيام بتحريض «حلفائها» الإقليميين على التصدي لجارتهم الكبيرة، خصوصاً فيتنام والفليبين، من مجموعة دول «آسيان».

 جملة عوامل طرأت على الموقف الأميركي بالذات، ليس أقلها رفض الصين الانضمام لمحادثات الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى، كطرف ثالث لم يكن جزءاً من اتفاقية الحرب الباردة، وتدخّل واشنطن في احتجاجات إقليم هونغ كونغ ضد الصين، فاقمها أيضاً انسحاب واشنطن الأحادي من منظمة الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، في العام 2018، ما أدى إلى فقدانها سبل ضغط اقتصادية فعّالة لحمل تلك الدول على تقليص اعتمادها على الصين.

 كبار قادة البنتاغون عبّروا عن قلقهم من الاستعراض العسكري الأخير للصين، إذ أبرزت فيه جيلين جديدين من الصواريخ الباليستية، دي أف-21 و دي أف-26، أطلقت عليهما لقب «أسلحة اصطياد حاملات الطائرات» الأميركية. حرّكت واشنطن حاملتي طائرات، نيميتز و رونالد ريغان، للمرابطة في بحر الصين الجنوبي.

 قائد سلاح مشاة البحرية الأميركية لتلك المنطقة، الجنرال ديفيد بيرغر، أصدر كرّاساً لقواته التي يجري إعادة تنظيمها، منتصف الشهر الجاري، يحدد فيه الخطوط العامة للتصرف لكل الوحدات والأسلحة المختلفة، مشيراً إلى الترسانة الصينية. أبرز ما جاء فيه «ينبغي أن نقبل الحقائق الناجمة عن انتشار حرائق دقيقة بعيدة المدى وألغام وأسلحة ذكيّة أخرى، وابتكار وسائل خلاّقة للتغلب على تهديد تلك الأسلحة».

 فيما عبّر ضباط في الاستخبارات العسكرية الأميركية عن قلقهم من اندلاع مواجهة عسكرية مع الصين ليس مضموناً فيها فوز واشنطن نتيجة «عدم جاهزية مشاة البحرية أو سلاح البحرية الأميركية»، بل إن تطوير أسلحة وموارد مناسبة لتلك المهمة تبدو بعيدة المنال وتستغرق «بضع سنوات».

 نائب وزير الدفاع الأسبق للشؤون السياسية، ميشيل فلورنوي، حذرت في مقال نشرته شهرية «فورين أفيرز» المرموقة من «سهولة انزلاق البلدين إلى صدام مباشر». واضافت أن «الولايات المتحدة ليس بوسعها بعد الآن توقّع إحراز تفوق سريع في الجو والفضاء أو في البحر». لعل أهمية ما ذكرته السيدة فلورنوي هو ما يتردد هذه الأيام عن احتمال ترؤسها لوزارة الدفاع في إدارة جو بايدن المقبلة، كما يرجح.

 في هذا الشأن، تتوالى الدراسات والأبحاث الأميركية للتحذير من الإنجازات الصينية في مختلف المجالات وتطبيقاتها العسكرية، خصوصاً في نطاق «الذكاء الاصطناعي». أحدثها كانت بحثاً تحليلياً معمقاً لـ «مؤسّسة راند»، مطلع الشهر الجاري، بعنوان «الحفاظ على عنصر التفوق في الذكاء الاصطناعي ولغة تعليم الآلة».

إحدى نتائجها كانت «التحذير من فقدان الولايات المتحدة تفوّقها المتواضع الراهن في تقنية الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في الشرائح الالكترونية، كما أن غياب سياسة أميركية واضحة يخدم خصمها. أما الصين فتتمتّع بتفوقها في مجال قواعد البيانات المركبة الضرورية لتطوير تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي».

 تداعيات حريق غير مسبوقفي سلاح البحرية الأميركية

نشب حريق هائل على ظهر سفينة برمائية أميركية، «بون اوم ريتشارد»، 12 الشهر الجاري، بعد وقوع انفجار داخلها سُمع من مسافة 21 كلم (13 ميل)، استغرق أربعة أيام بلياليها قبل السيطرة عليه، وهي راسية في ميناء القاعدة البحرية في مدينة سان دييغو لأعمال الصيانة والتحديث، وكان على متنها نحو 160 بحاراً، أصيب العشرات منهم بأضرار طفيفة، من مجموع طاقم يناهز 1000 عنصر، بالاضافة لمخزون من الوقود بلغ مليون غالون.

 الأضرار التي لحقت بالسفينة الحربية ضخمة بكل المقاييس، بدءاً بانهيار الصاري الأمامي وتدمير غرفة التحكم والقيادة، وفق بيانات كابتن السفينة، فيليب سوبيك، وارتفاع درجات الحرارة لنحو 649 درجة مئوية (1200 فهرنهايت)، التي من شأنها إحداث اعوجاج في الهيكل الفولاذي السميك للسفينة ، حسبما أفاد خبراء علم المعادن.

 التحقيقات في الحادث جارية على قدم وساق، بدقّة وانضباط عسكريين، خصوصاً أن الانباء الأولية أشارت إلى نشوب حريقين منفصلين، في المقدمة والمؤخرة، أمر «غير مسبوق.. ومن الصعوبة بمكان اندلاع حريق يلتهم السفينة بكامل طولها»، مما عزز فرضية حادث مدبّر يتصدّر جهود التحقيق.

 تحديد الجهة أو الأطراف المتورطة في الحادثة أمر تلفه تكهنات متعددة، من بينها اتهام بالمؤامرة وتلميحات بضلوع الصين وإيران ربما، رغم أن التحقيق في ملابسات الحريق سيستغرق وقتا، يبدي بعض الخبراء في مجال صيانة وتحديث السفن الحربية خشيتهم من أن تكون حاملة الطائرات الخفيفة قد تعرضت لعمل تخريبي متعمد من جهة ما.

هذه المخاوف تستند الى عدة مؤشرات من بينها وقوع الحريق في المستودعات التي لم تكن تخضع لأعمال الصيانة ويفترض أن تكون مغلقة بإحكام امام طواقم أشغال الصيانة في الميناء.

يضاف الى ذلك عدم توفر أطقم إخماد الحرائق بشكلٍ وافٍ وجهوزية عادة ترافق أعمال الصيانة مما يعزز فرضية غياب رقابة كافية على دخول وخروج أطقم الصيانة في الميناء خاصة مع وجود عدد قليل من البحارة على متن الحاملة. يرجّح أن تتركز التحقيقات على سبب عدم فعالية وجهوزية أطقم إخماد الحرائق لدى نشوبها والقدرة على التحكم السريع قبل أن يتوسع الحريق وينتشر، كما يجري عادة في التدريبات والتمارين التي يخضع لها البحارة. كما سيتم التدقيق في غياب او تراخي إجراءات الحراسة والمرافقة التي يفترض اتباعها بشكل دائم لأي طاقم صيانة يدخل الحاملة.

  العامل الإيراني، في هذا السياق، يأتي ضمن اتهامات متبادلة بين طهران وكل من واشنطن وتل أبيب لاندلاع سلسلة حوادث وحرائق أصابت بعض منشآتها النووية الحساسة، خصوصاً في منشأة نطنز، واندلاع حريق في ميناء بوشهر أدى لتضرر اربع سفن كانت راسية هناك.

 كما تنبغي الإشارة إلى توقيت تلك الحوادث في إيران بالتزامن مع توقيعها اتفاقيات استراتيجية مع الصين، في لفتة تحدٍ مشتركة لسياسة العقوبات الأميركية ضد الطرفين.

 ولا ينبغي إغفال مفعول الأمر الرئاسي الاستثنائي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب، في العام 2018، يطلق فيه يد وكالة الاستخبارات المركزية، «السي آي إيه»، لشن هجمات متنوعة من بينها في الفضاء الإلكتروني ضد ايران، وملغياً القيود الخفيفة السابقة التي فرضها أسلافه على عمليات الوكالة. وحدد الأمر الرئاسي نطاق العمل باستهداف خصوم الولايات المتحدة «روسيا والصين وكوريا الشمالية» بالإضافة لإيران وفنزويلا.

 تخشى النخبة الفكرية والاستراتيجية الأميركية أن تؤدي أجواء التصعيد المتبادلة إلى ارتكاب خطأ في سوء التقدير العسكري ونشوب مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، عبرت عنه في سلسلة مقالات نشرتها اسبوعية «فورين بوليسي»، وفي الخلفية مساعي واشنطن الفاشلة في استصدار قرار أممي جديد من مجلس الأمن يمدد حظر بيع الأسلحة لإيران بعد انقضاء المهلة الراهنة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

 خصوم الولايات المتحدة يشهدون لها بإجراءات السلامة الصارمة لسلاح بحريتها ولم «يكرس طرف آخر الوقت والجهد لضمان قدرة السفن البحرية البقاء على جهوزيتها.. ولا مجال لمقارنة أحد بهم في هذا الشأن».

 بيد أن تلك العقيدة لم تمنع حدوث اصطدام سفنها الحربية بأخرى تجارية في عرض البحار، طواها النسيان وتحميل مسؤولية عدم كفاءة التدريب للرتب الصغيرة، وحرائق على سفن أميركية متعددة، أبرزها الغواصة النووية ميامي التي تعرضت لحريق هائل في ميناء بورتسموث بولاية فرجينيا، في العام 2012، خرجت جراء ذلك عن الخدمة.

وفي ما يخص البرمائية وحاملة الطائرات «بون اوم ريتشارد»، فإنّ خروجها المتوقع من الخدمة نتيجة الأضرار الهائلة «سيشكل واحدة من أكبر الخسائر» في تاريخ سلاح البحرية، حسبما أفاد خبراء عسكريون، ويؤشر ايضاً على «أزمة مفاهيم وإدارة وأولويات في مهام» القيادات العسكرية، فضلاً عن تردي نوعية وكفاءة البحارة المجندين، إذا ما استثنينا تعرض الطواقم البحرية للإصابة بفايروس كوفيد-19 وخروج حاملة الطائرات العملاقة، روزفلت، من الخدمة في بحر الصين الجنوبي نتيجة ذلك.

 في البعد المالي الصرف، بلغ إجمالي كلفة السفينة التي دخلت الخدمة في المحيط الهاديء في العام 1998، نحو 750 مليون دولار، وخضعت لأعمال صيانة وتحديث أجهزة رادار ومعدات متطورة لتمكينها من حمل المقاتلات الحديثة من طراز إف-35 ب، بلغت كلفتها 250 مليون دولار.

 سلاح البحرية لا يزال يدرس خيارات ترميم السفينة، بعد تقييم حجم الأضرار، مقابل استبدال برمائية تجاوز عمرها عقدين من الزمن، بكلفة تقديرية تتراوح بين 3.3 – 4 مليار دولار، يستغرق إعدادها بضع سنوات (يومية «يو أس إيه توداي»، 14/7/2020).

 لا ريب أنّ خروج حاملة الطائرات من الخدمة، لفترة زمنية لا تقل عن سنتين في أفضل الأحوال، سيحدث فجوة في حجم الاستعدادات الأميركية في بحر الصين الجنوبي تحديدا، مسرح عمل البرمائية، وتقوّض فعالية التصريحات الأميركية ضد الصين، خصوصاً لوزير الخارجية مايك بومبيو.

 يشار إلى أن البرمائية حاملة الطائرات، بعد إتمام عمليات الصيانة والتحديث، كانت على موعد للمرابطة في بحر الصين الجنوبي، نهاية العام الجاري، بحمولتها المتطورة من المقاتلات الأحدث في الترسانة الأميركية، برفقة ثلاث حاملات أخرى مجهزة بحمولة مماثلة من المقاتلات الحربية من الجيل الخامس، أف-35 ب.

 وأكد قبطان متقاعد من سلاح البحرية، جيري هندريكس، تداعيات غياب حاملة الطائرات «بون اوم ريتشارد» عن الخدمة الذي سيترك «فراغاً هائلاً .. بعد مكوثها نحو سنتين من التحديث وتزويدها بمعدات متطورة» (يومية «ديفينس نيوز»، 13/7).

 في العودة لما أشار إليه كبار قادة البنتاغون في جهوزية وإعداد طواقم مشاة البحرية، تم الكشف عن نتائج مخيفة في مستويات التدريب وتردّ ملحوظ التي تجريها «كلية الضباط المنتسبين Officer Candidate School»، خصوصاً في خضوع المنتسب لتدريب لا يتجاوز 24 ساعة على مهام حماية السفينة من الغرق ومكافحة حرائق على متنها، والتي كانت تستغرق مدة أطول في السابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى