ثقافة وفنون

المربي محسن جواد… آخر المدرّسين المحترمين رحل

} جهاد أيوب

 

عرفته مربياً، مسؤولاً، منفتحاً، مستمعاً، ومنظراً بما يفهم بعمق، وبجدية، وبعلم.

هو دائماً يستوعب أي مشكلة تحاصره، تحاك ضدّه، تقع أمامه، تقال له كي يحلها، ويجد لها أكثر من حل.

لا مجال للشخصية الثائرة أن تستفزه وهو الثائر على التقليدية المملّة، والبيئة الغبية..

ودائماً هو البحر في العلم، والبحر في وضع النقاط على الحروف، والنهر في المواجهة، والنهر في إعطاء المعلومة

كريماً في اللقاء، وفي الإصغاء، وفي البوح

مبتسماً رغم الصعاب، والشدائد، وحينما تزوره في المكتب، المنزل أنت رب المكان وهو ضيفك

عرفته صديقاً ومحباً لي ولشخصي ولفكري، ولكلامي، ولمشاغباتي وكتبي، ونقدينتناقش بهدوء نتعلمه منه، ونتحاور برقي نتتلمذ على تهذيبه، ولم يكن فارق العمر إلا لحظة تلاقٍ

كان عطوفاً ومثقفاً وأنيقاً في استخدام مفرداته، وبوحه، ونظراته، وتواضعه.

إنّه الدكتور والعالم السيد محسن جواد، ذاك الفارس الحقيقي لدور المعلم، المدرس، المعطاء في مجال التدريس والإدارة، وعلوم الدين.

كان ملتزماً دينياً، ولم يكن منغلقاً، وكان يفقه بالأصول، والاجتهاد الديني، ولم يكن معقداً، وكان حاسماً وجاداً وقائلاً ولم يكن عنيداً وجافاً وقاسياً!

هو آخر المدرّسين المحترمين الحقيقيين، جمع الكلاسيكية والمعاصرة معاً، وهذا ما جعله يصادق كل تلاميذه بمختلف الأعمار والفصول والمهن والأدوار.

خاض التدريس بتفوق ويشهد له، وجال في الإدارة فأبدع رغم وضعه لخطط خاصة وجب السير عليها، ورمم فكر المدارس العقول، وساهم في صناعة النور العلمي من دون ادعاء تخاله أصغر من حوله وهو كبيرهم بالمعرفة والعمر

صديقي أبو مصطفى تركت بصمتك من خلال زوجة طبيبة مشغولة بالأصول والأصالة، وأبناء يحملون ثقافتك في الموسيقى والعلم الأكاديمي والتخصص والرعاية.

رحيلك يعني مرحلة مهمة في تاريخ التربية اللبنانية انطوت، وجب تدريسها، الاستفادة من سيرتها، من تجربتها

السيد محسن جواد ذاك الشريف البسيط والعطوف كنت الطفل في مجالس جمعتنا، وسيّد مكانك، والصديق الدائم

في رحيلك وهذا حق، ولكن خسرنا قيمة وقامة أقامت لنا مداميك العلم، وزرعت في حقولنا نور المعرفة التي طبعت على صفحات العديد من الأجيال

كم قاسياً هذا الموت في هذا العام الجاحد، عام سرق منا من نحبّ، وقدّم لنا ذكريات اعتقد بأنها ستغذينا، وفي الحقيقة ستبكينا لأننا أمم لا تستفيد من كبارها!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى