أولى

لبنان.. ما الذي يجري؟

 إبراهيم سنجاب*

حتى نفهم ما جرى في لبنان، علينا أن نتخيّل أولاً مستقبله لو لم تحدث هذه الكارثة. بمعنى أنه قبل تفجير ميناء بيروت بدقيقة واحدة لا يصحّ أن نتجاهل ما الذي كان عليه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلخ

وبعد التفجير بدقائق ما الذي أصبحت عليه هذه الأوضاع جميعاً؟ وما الذي قاله الرئيس الفرنسي ماكرون لنواب حزب الله الذين التقاهم لدقائق عدة على انفراد حول ترسيم الحدود البحرية مع «إسرائيل»؟

أما بعد التفجير بساعاتوهو ما يلفت النظرفقد تدفقت المساعدات على لبنان وأنشئت لذلك جسور جوية لها أول ولا يبدو أنّ لها آخر، وبعدها بأيام أصبحت المساعدات تأتي على ظهور حاملات الطائرات وحاصرت لبنان أساطيل فرنسا وروسيا وأميركا، ثم سحبت الإمارات البساط من تحت أقدام اللبنانيين بالإعلان عن التطبيع مع «إسرائيل» في حركة مفاجئة ربما للإماراتيين أنفسهم، الذين اضطروا لحشر القضية الفلسطينية في اتفاقهم رغم نفي نتنياهو، ثم اضطروا للإعلان عن اول صفقة بين البلدين لإنتاج عقار لعلاج كورونا، ربما قد تمّ إنتاجه فعلاً بأيدٍ صهيونية ليعلن عنه من أبو ظبي، أسوة بالإعلان عن تطبيع العلاقات من واشنطن.

 

لنعد إلى بيروت التي ما زالت قادرة على الحياة والصمود بوجه نخبتها السياسية الفاسدة المرتزقة العميلة، ونظامها الطائفي الآسن الذي لا يليق بدولة الحريات والإبداع والفنون والصمود (كلّ ذلك معاً).

هل نتصوّر مثلاً أنّ مرتكب جريمة تفجير الميناء هو شخص او جماعة من الوطنية بحيث إنه أراد بهذا العمل أن يعيد ترتيب البيت اللبناني المنهك بالديون والمنعدم الخدمات، وذلك بجمع زعماء الطوائف حول كارثة كبيرة بهذا المستوى للخروج بلبنان من مستنقع التبعية أو على الأقل تعديل شروطها ومساراتها؟

أم نتصوّر أنه عميل يريد حرباً على حزب الله في لبنان ويمهد لتدخل عسكري أجنبي لن يكون إسرائيلياً مباشراً هذه المرة بالطبع، ولكن تحت غطاء دولي أسوة بالأشقاء في العراق وسورية وليبيا واليمن، وهي تجارب كلها لم تترك الا قتلى وجرحى وخراباً سيمتدّ لعشرات السنين.

الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و»اسرائيل» بات معلوماً للجميع ومعلومة أيضاً حكاية البلوك رقم 9، والضغوط الأميركية على حكومات لبنان

لضمه لـ «إسرائيل» ووقوف حزب الله حجر عثرة أمام انتهاك سيادة لبنان البحرية وحقوقه الاقتصادية فيها، ومن هنا تبدأ قصة الارتزاق والعمالة من أطراف لها وزنها داخل مجتمع النخبة السياسية التي لا تمانع في التفريط في الحق اللبناني الطبيعي.

البعض يردّد أنّ حزب الله يهيمن على السياسة والأمن في لبنان، وهذا ليس صحيحاً بالمرة، والبعض يريده أن يفعل ذلك فعلاً وهذا أيضاً لن يكون حلاً رغم أنه ممكن، ولكن الكثيرين من لبنان وجوار لبنان العربي وقوى إقليمية ودولية تريد محو حزب الله من الوجود نهائياً وهذا لن يكون

ويبدو أنّ كلّ هذه الأطراف ساهمت بشكل أو بآخر في السعي نحو تفجير كلّ لبنان وليس ميناء بيروت فقط، وعلى الأقلّ ارتاح بعضهم لحدوث الانفجار ويسعى جاهداً لاستثماره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب رئيس تحرير «الأهرام».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى