مقالات وآراء

إدلب من جديد: جسر الشغور تلوح في الأفق…

} عبير بسّام

في 23 آب الماضي ابتدأ الحديث الجدي عن مساع إنسانية من أجل فتح معبرين في محافظة إدلب: الأول في سراقب والثاني في سهل الغاب من أجل تسهيل خروج المدنيين باتجاه باقي مناطق الدولة. وهذا معناه أنّ معركة إدلب التالية باتت على الأبواب. يرى مصدر في إدلب استحالة استجابة المسلحين، ومن ورائهم القوى الإقليمية الداعمة لهم، لهذا المطلب الإنساني. فالمسلحون يفضلون الإحتفاظ بالمدنيين كرهائن ليتمّ استخدامها من أجل تقويض انتصارات الجيش السوري، من خلال التهديد بحياتهم عبر تلفيقات دعوى استخدام الكيماوي من جديد أو البحث عن إدانات للنظام بقصف المدنيين، وإلى ما غير ذلك من الإتهامات «المسبقة الصنع». ولكن وبحسب مصدر مطلع فإنّ معركة الـ M4، باتت على قاب قوسين أو أدنى. أو بتعبير آخر «قريبة».

بالطبع سيحضر الجيش السوري المعابر كما في كلّ مرة، وستضع الدولة السورية تجهيزاتها من أجل استقبال المواطنين الهاربين من المعارك الطاحنة، التي ستدور رحاها لتحرير كلّ من أريحا وجسر الشغور، كهدفين أساسيين. فإعادة بسط سيطرة الجيش السوري على مدينة جسر الشغور سيكون بمثابة نقطة علام في مراحل هذه الحرب الكونية على سورية، شيء يشبه معركة تحرير مدينة القصيْر في العام 2013. وسيبسط سيطرة الجيش السوري على الأرض من اللاذقية وحتى الحدود العراقية السورية.

وبحسب المراقبين، الوضع هو كالتالي: الجيش السوري على أهبة الاستعداد والجاهزية من أجل معركة ضخمة لتحرير معظم ريف إدلب. وهناك قصف مستمرّ لمواقع الإرهابيين المتمركزين في جبل الزاوية. وقد طلبت تركيا من مسلحيها الاستعداد للمعركة وحشد قواتهم. فبحسب إعلامي جبهة النصرة والأتراك، فقد احتشد الجيش السوري وحلفاؤه على «خطوط التماس»من كفر نبل جنوباً وحتى معرة النعمان وسراقب وريف حلب جنوياً. وبالتالي فإنّ المسلحين بحسب المطلعين، يحاولون الدفع نحو ابتداء المعركة في المناطق التي تمكنوا من التمركز فيها، ولكن الحسابات على أرض المعركة لا يعلمها إلا الله والقائمون عليها والعميد سهيل الحسن! ولكن بحسب مصدر العهد: «السوري سيدخل جسر الشغور حتماً، والتركي طالع».

وعقد في 26 آب/ أغسطس، أيّ قبل أيام، لقاء في اسطنبول ساده التوتر، ما بين وفد أميركي وما بين وفد من الائتلاف السوري المعارض. انتهى اللقاء بأنباء عن وصول صواريخ تاو الأميركية لإرهابيّي تحرير الشام. هذا مع العلم، وبحسب خبراء عسكريين، أنه إذا ما كان سيتمّ تحرير جسر الشغور خلال معارك ليلية كتلك التي تمّت في تحرير سراقب الثاني في آذار الماضي، فإنّ هذه الصواريخ ليست بذات فائدة.

منذ وقف العمليات العسكرية في آذار الماضي، كان من المفترض أن تسير الدوريات التركية الروسية لحماية الطريق الدولية من حلب إلى اللاذقية والمعروف بـ M4. إلا أنّ تركيا ومن خلفها المسلحين كانوا قد نقضوا الاتفاق خلال الأشهر الماضية بشكل مستمرّ، وآخرها كان قصف العربات الروسية خلال الدورية الروسيةالتركية في 17 آب/ أغسطس، مما أدّى إلى وقف الدوريات المشتركة. وابتدأ الروسي يحث الخطى نحو تطبيق اتفاق أستانة بالقوة والدفع نحو خروج الجيش التركي والمسلحين بشكل نهائي من منطقة جسر الشغور وجبل الزاوية. وبالتالي فسيقع على الجيش السوري، بعض التعرّض لسلامة الـ M4 من قبل المسلحين، تطبيق الإتفاق بالقوة. اذ يبدو أنّ اللقاءات الدائرة ما بين التركي والروسي قد وصلت إلى طريق مسدود. اذ كان التركي يطلب، بحسب مصادر مطلعة، الإبقاء على احتلال مدينيتن سوريتين على الأقلّ، وفي الأغلب أنهما مدينتا تل أبيض وعفرين، ولكن الدولة السورية رفضت الاستغناء عن قرية سورية واحدة.

يحاول التركي الإبقاء على مساحة من أجل إعادة توطين بعض النازحين السوريين ممن يوالونه. ولكن سورية ترفض وجود بؤر إرهابية فيها، ناهيك عن وجود أيّ قوات احتلال على أراضيها. هذا في الشق السياسي. وأما على صعيد توزع القوى الإرهابية في فقد أفاد مصدر «أنّ معظم الذين يحتلون جسر الشغور اليوم، هم من الإيغور والتركستان»، القادمين من مقاطعة تركستان الشرقية أو ما تسمى بمقاطعة يانغ في الصين، و»الباقي من مقاتلي أوزبكستان الإرهابيين». وأما أريحا وبحسب مصدر في إدلب فإنّ فيها نسبة كبيرة من الذين يشكلون عصباً هاماً في جيش الفتح الذي جاءت به تركيا.

ويفيد المصدر أنّ «باقي القوى الإرهابية من النصرة وداعش من سوريين وسعوديين وجنسيات أخرى قد تمّ نقلهم بطائرات سعودية إلى اليمن للقتال فيها». وهذا ما يفسر دخول الجيش السعودي عبر بوابة شرق الفرات مع الأميركيين. وأما الباقون في جسر الشغور فلا أحد يريد استردادهم أو نقلهم للقتال وسبب ذلك يعود إلى أنهم من ذوي ملامح العرق الأصفر، والذي سيفضح نقل السعودية وتركيا مرتزقة وإرهابيين للقتال في اليمن أو ليبيا.

تظنّ السعودية ، بحسب المصدر أنه «يمكنها بواسطة المرتزقة الجدد فرض معادلات ميدانية على الحوثيين في اليمن». وبالتالي فقد جاءت عملية البيضاء في اليمن في 21 آب/ أغسطس، لتطهير اليمن من العناصر التكفيرية التي استقدمها العدوان السعودية إلى شمال شرق البلاد من سورية. وكان من المفترض «أن يتوجه هؤلاء للقتال في ليبيا»، ويبدو أنّ المحادثات الروسية التركية هي التي حالت دون ذلك.

وبحسب مصدر «مطلع» في داخل إدلب فقد قام الطيران الروسي في الأيام الماضية بقصف معمل للطائرات المسيرة في إدلب، سمعت أصوات انفجاراته في المدينة وهزتها هزاً كما انفجار بيروت، فحوّلها الجيش التركي إلى قاعدة عسكرية، وأدخل إليها مؤخراً حشوداً كبيرة من معداته وجنوده. كما أقام التركي تعزيزات جديدة في قاعدتين عسكريتين في بلدتي حرنبوش والشيخ بدر. وهي الأرتال الكبيرة، التي تحدث عنها شهود عيان في إدلب وقالوا إنها دخلت عبر معبر كفر لوسين في 18 آب/ أغسطس.

في الحقيقة أنّ ما يُحضر اليوم للمعركة المقبلة وتحرير جسر الشغور، والتي تقع في منطقة جبلية صعبة التضاريس والكثيفة الأشجار، هو تفصيل بسيط أمام ما سيحدث في الأيام المقبلة، وأن ما يُحضّر في شرق الفرات اليوم هو أهمّ بكثير. لأنّ الحلّ السياسي في سورية اليوم مرتبط بملفات شائكة في ليبيا واليمن واليونان وتركيا ومعاهدات السلام التي تجري على قدم وساق في الدول العربية. ولكن يبدو أنّ هناك تسوية ما في الأفق، ولن تطبق إلا بعد الانتخابات الأميركية.

بعد مقتل الجنرال فياتشيسلاف جلادكيخ خلال دورية روسية، واستشهاد قائد قوات الدفاع الوطني في قطاع الميادين محمد تيسير الظاهر ومعه 8 ثمانية جنود سوريين، خلال دورية لاحقت بعض عناصر داعش في الصحراء السورية، ابتدأ الروسي منذ يومين تقريباً، بتقييد حركة الدوريات الأميركية، واستعراض العمليات المناورة التي أدّت منذ يومين لإصابة عدد من الجنود الأميركيين. تزامن ذلك مع تصاعد العمليات المقاومة التي باتت تتوالى وبكثافة في منطقة شرق الفرات، والتي ستكون لها كلمتها، خاصة بعد الأخبار التي جاءت عن لقاءات زعماء العشائر مع الدولة السورية والتي طالبت فيها العشائر بحضور الدولة والتخلص من الأميركيين والأتراك وقوات «قسد» مجتمعة. والتي جاء فيها: «نحن جاهزون بالشباب وبالسلاح، ولا نطلب سوى حضور الدولة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى