مقالات وآراء

رمز عربي يستحقّ الشكر…

} معن بشور

في غمرة الارتياح الشعبي الفلسطيني والعربي والإسلامي الواسع بانعقاد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية عبر الفيديوكونفرس بين مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، ومقر سفارة فلسطين في بيروت، لا بدّ من التذكير بأنه ارتياح مشوب بالحذر من تكرار تجارب سابقة علق عليها الكثيرون الأمل ولكنهم أصيبوا بالخيبة في ما بعد

وإذا كان الكثير من المحللين يعتقدون انّ الأمر مختلف هذه المرة لأنه يجري في وقت تدرك فيه كلّ الأطراف الفلسطينية بعمق المأزق الذي تواجهه لا سيما في ظلّ الإمعان الأميركيالصهيوني في إنكار الإقرار بالحدّ الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وفي ظلّ انتقال أنظمة عربية عدة من خندق التضامن مع فلسطين الى خندق التطبيع مع الكيان الغاصب بل التحالف معه، وفي ظلّ واقع عربي محكوم بالتشرذم والتناحر والحروب والاحتراب، فإنّ إعادة بناء أطر الوحدة الفلسطينية على المستويات كافة، قد تسهم في تقوية الموقف السياسي للمفاوض الفلسطيني، وفي تحصين الموقف العام للمقاوم الفلسطيني الذي يعاني ما يعانيه، لا سيما في قطاع غزة

وأيّاً تكن درجة الدقة في هذه التحليلات التي يعتقد بعض أصحابها أنّ الأمور تسير في الاتجاه الصحيح حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المتوقع أجراؤها في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وانْ كانت هناك شكوك كثيرة حول إمكانية حسم نتائجها في مدى زمني مقبول، فإنّ ما حدث بين رام الله وبيروت في الرابع من أيلول 2020 (وهو بالمناسبة تاريخ انسحاب المقاومة الفلسطينية من بيروت اثر الغزو الإسرائيلي والحصار الذي استمرّ حوالي ثلاثة أشهر) سيترك آثاراً إيجابية داخل فلسطين وعلى صعيد مواجهة الأمة بأسرها لمخططات تصفية قضية القضايا وهي قضية فلسطين.

بالتأكيد لم يأت اجتماع الثالث من أيلول/ سبتمبر من فراغ، وانما كان ثمرة جهود ومبادرات قامت بها جهات عديدة فلسطينية وعربية وإسلامية وإعلامية على مدى 13 عاماً منذ أحداث غزة المشؤومة في عام 2007.

بين هذه الجهات التي لم تتوقف عن مساعيها الحميدة تقف المقاومة اللبنانية الباسلة في الصدارة انطلاقاً من إدراكها لتلازم المقاومتين البارزتين في حياة العرب المعاصرة، فكلّ قوة لأحدهما هي قوة للأخرى والعكس يصحّ أيضاً

 ومن هذه الجهات أيضاً لا بدّ من الإشارة الى دور المؤتمر القومي العربي والمؤتمرات والهيئات والمراكز العربية في بذل جهود لم تتوقف لإنضاج هذا «اللقاء الوطني التاريخي» كما وصفه الرئيس أبو مازن وكافة القيادات المشاركة في الاجتماع

وحين نتحدث عن دور المؤتمر القومي العربي والهيئات الشعبية الشقيقة، لا سيما المؤتمر القومي الإسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية الذي كان يرأسه المناضل عبد العزيز السيدرحمه الله، وهيئة التعبئة الشعبية العربية التي كان يرأسها نائب الأمين العام لاتحاد المحامين العرب الذي رحل عنا قبل أيام، المناضل الكبير عبد العظيم المغربي

وفي الحديث عن دور المؤتمر القومي العربي في تمهيد الأجواء لهذا اللقاء لا بدّ أن نذكر دوراً مميّزاً لأمينه العام، يوم اندلاع أزمة غزة المشؤومة، هو المحامي المغربي المناضل خالد السفياني منسق المظاهرات المليونية من أجل فلسطين والعراق ولبنان في المغرب

حرص المناضل أبو مهدي السفياني منذ اللحظة الأولى للانقسام ان يترجم توجه المؤتمر لرأب الصدع بين فتح وحماس، ونجح في أيام التوتر الأولى أن يعقد لقاء سرياً في بيروت بين جبريل الرجوب (من قيادة فتح)، ومحمد نزال (من قيادة حماس)، ثم أن ينجح في بيروت أيضاً، وخلال أزمة نهر البارد الدامية، مع عدد من الشخصيات العربية لتشكيل لجنة مساع حميدة شعبية لإطفاء النار في المخيم المنكوب، ونجحت اللجنة يومها، وبعد أسابيع فقط من أحداث غزة، في عقد اجتماع لممثلي كافة الفصائل الفلسطينية في بيروت وتشكيل هيئة عمل فلسطيني موحد برئاسة سفير فلسطين في لبنان آنذاك الأخ عباس زكي، وتمّ اختيار نائباً للرئيس أحد قيادي حماس الأخ أسامة حمدان في خطوة لم يكن ممكناً لها ان تتحقق في تلك الظروف لولا أنها كانت تستند الى دعم معنوي كبير من الشخصيات العربية التي تشكلت منها اللجنة وهي الوزير المصري السابق رفيق الخالد الذكر جمال عبد الناصر الأستاذ الكبير محمد فائق رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان يومها ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر حالياً والشخصية الفلسطينية المميّزة الراحل شفيق الحوت، والمفكر الفلسطيني والعربي المعروف منير شفيق أمين عام المؤتمر القومي/ الإسلامي آنذاك، والراحلين عبد العظيم المغربي وعبد العزيز السيد بالإضافة الى مساعدة أمين المؤتمر القومي العربي المناضلة رحاب مكحل ومدير المؤتمر القومي / الإسلامي الأستاذ الجامعي الدكتور أسامة محيو.

مع تشكيل تلك الهيئة، بدأ ينهار جدار «الفيتو» بين هذا الطرف او ذاك، وهو «الفيتو» الذي دمّر إمكانيات تطوير العلاقات بين القوى الشعبية العربية لسنوات طويلة حيث كانت تلك العلاقات محكومة دوماً بمنطق الإقصاء وحيث كان البحث عن القواسم المشتركة أمراً محرّماً

تابع السفياني وإخوانه جهودهم في هذا الاتجاه، وكان أن انعقد في اسطمبول في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 ملتقى دولي من اجل القدس بمبادرة من مؤسسة القدس الدولية وحضره الآلاف من الشخصيات العربية والإسلامية والعالمية، ومنهم قادة من فتح وحماس وكافة الفصائل الفلسطينية، وهو ما جرى أيضاً في ملتقيات عدة انعقدت بمبادرة من المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن حول حق العودة، ونصرة الجولان، ولدعم المقاومة، والانتصار للأسرى، وصولاً الى تأسيس المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين في شباط 2015 في بيروتوالذي عقد لأربع دورات في لبنان وتونس حضرها ممثلو الفصائل كافة.

لم يكتف السفياني والهيئات التي يمثلها، خاصة بعد أن انتخب منسقاً عاماً للمؤتمر القومي/ الإسلامي قبل أربع سنوات، بل كان يصرّ على جمع ممثلي فتح وحماس في المغرب وآخرها ندوة الحاجة الى الكتلة التاريخية قبل عام ونيّف، كما على هامش كلّ مؤتمر او منتدى ينعقد في لبنان او تونس او أيّ عاصمة عربية.

وحين أعلن ترامب عن صفقة القرن، وجد الأخوة الساعون الى لمّ الشمل الفلسطني انّ الفرصة مناسبة لإعادة إحياء فكرة المصالحة والتلاقي، فكان أن انعقد في بيروت في مطلع شهر يونيو/ حزيران عام 2019، وبدعوة من المؤتمرات الثلاثة ومؤسسة القدس الدولية ملتقى «متحدون ضدّ صفقة القرن» حيث تحدث في حفل الافتتاح عباس زكي من قيادة فتح، وأسامة حمدان من قيادة حماس، وقادة الفصائل الفلسطينية جميعاً بالإضافة الى العديد من رموز حركة التحرر الشعبية العربية

وبعدها بشهر وعلى هامش الدورة الثلاثين للمؤتمر القومي العربي في 5 و 6 تموز /يوليو 2019 انعقد بمبادرة من الأخ السفياني وأمين عام المؤتمر القومي الأخ مجدي المعصراوي اجتماع لممثلي الفصائل الفلسطينية كافة أكدوا فيه على أهمية وحدة الموقف والعمل الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن، وشاركوا جميعاً لا سيّما الأخ عزام الأحمد (فتح)، وحسام بدران (حماس) في ملتقى «متحدون ضدّ صفقة القرن» في 7/7/2019 الذي دعت إليه هذه المرة الجهات الأربع التي دعت الى الملتقى الأول، وقد أضيف اليها كلّ من الجبهة العربية التقدمية واللقاء اليساري العربي

وحين حلت جائحة كورونا في بلادنا والعالم، لم تتوقف المساعي المبذولة من الأخ خالد السفياني المكلف من الهيئات القومية المعنية، بل تمّ عقد ملتقيين افتراضيين عبر وسائط التواصل الاجتماعي احدهما «ملتقى شعبي عربي افتراضي ضدّ التطبيع» بمبادرة مشتركة من المؤتمر القومي العربي ومركز التواصل خلال شهر رمضان الفائت وبعد الغزوات التطبيعية التلفزيونية، وشاركت فيه أيضا كلّ الفصائل، فيما انعقد بعد شهر وبمبادرة من السفياني والهيئات العربية وحركات المقاومة القلسطينية واللبنانية أيضاً ملتقى كبير عبر تطبيق «الزوم» شارك فيه مئة شخص من أعضاء الأمانات العامة للمؤتمرات والاتحادات والهيئات وتحدث في جلسة افتتاحه الاخ اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والاخ محمود العالول نائب رئيس حركة فتح، بالإضافة الى قادة فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وكان ذلك عقب اللقاء الشهير بين رجوب والأخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس

وقد اعتبر كثيرون هذا الملتقى العربي الفلسطيني الموسع إشارة الى قرب إطلاق خطوات أوسع للمصالحة الوطنية وتمّ تتويجها بالاجتماع الشامل لأمناء الفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس

لم يكن دور المؤتمر القومي العربي والمؤتمرات والهيئات الشقيقة محصوراً في الإطار الفلسطيني فحسب، بل انطلقت من رحم المؤتمرات مبادرات كان الأخ السفياني منسقاً لها من المبادرة الشعبية لمناهضة التدخل الأجنبي ودعم الحوار والإصلاح في سورية، الى مبادرة مع كلّ الأطراف اليمنية، ومشروع مبادرة لتعزيز الجبهة الداخلية في مصر، ومحاولة لاطلاق مبادرة في ليبيا، يبدو أنّ الظروف ليست مهيأة لها في الوقت الحاضر

لكن تصميم المؤتمر القومي والمؤتمرات الشقيقة على إعلاء راية الحوار والمصالحة لمواجهة كلّ الأزمات العربية، يبقى الهاجس الأول لمؤتمر يحمل هموم الأمة ويسعى لوحدة أبنائها وقواها ويعمل على تحقيق مشروعها النهضوي

فكلّ التحية لقيادة هذه الهيئات وأعضائها جميعاً في أقطارهم او المهاجر، وتحية خاصة الى الرمز العروبي التقدمي الأخ المناضل خالد السفياني (أبو مهدي)… ومبادراته المضيئة دوماً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى