الوطن

الطريق إلى فلسطين من سورية

} د. وفيق إبراهيم

التطبيع بين دول الخليج والكيان الإسرائيلي أسقط آخر أوراق المراهنين في الداخل الفلسطيني المحتل على انضباط عربي ضمن مفهوم العداء العربي ـ الإسرائيلي أو في إطار حل الدولتين كحد أدنى.

كان يتصدّر طليعة المراهنين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومعه معظم تيار حركة فتح وبعض تحالفاتها في قطاع غزة والضفة الغربية.

هؤلاء فتحوا خطوطاً واسعة بعلاقات واضحة مع الكيان المحتل وسط تنسيق أمني واقتصادي وسياسي، حتى بدا أن هناك حلفاً بين «دولة الضفة» مع «اسرائيل» في وجه قطاع غزة الذي واصل المقاومة بعناد وسط موازنات قوى ليست في مصلحته، لكن الإرادات المستندة الى تأييد شعبي عارم تواصل القتال في أحلك الظروف.

لجهة غزة فاستفادت من عناد أهلها وإصرارهم على عدم الاستسلام، مع وجود حركتين للمقاومة من فئة رافضي أي شكل من أشكال العلاقة مع العدو الإسرائيلي وهما «حماس» و»الجهاد».

لقد تواكب هذا الوضع مع صعود إيراني لافت في الالتزام بالقضية الفلسطينية على مستويات التمويل والتسليح والرعاية لحركات المقاومة في غزة وحزب الله في لبنان، إلى جانب دعم الدولة السورية في مجابهتها لأضخم هجوم إرهابي في التاريخ مدعوم من عشرات الدول الأميركية والخليجية والاوروبية والتركية.

كان هدف هذا التحالف تفتيت سورية وإسقاط دولتها كمشروع يؤدي تلقائياً ومن دون كبير جهد للقضاء على القضية الفلسطينية والإمساك بكامل الشرق العربي.

بذلك اضمحل مشروع الغرب و»اسرائيل» في سورية، فسحب الأميركيون الدول العربية التابعة لهم في الخليج نحو التطبيع السياسي والاقتصادي الذاهب الى تحالف عسكري مع «اسرائيل».

فظهر هذا التحالف العربي ـ الإسرائيلي في آخر اجتماع لجامعة الدول العربية الذي رفض منذ أيام عدةإدانة التطبيع بين الإمارات و»اسرائيل».. وامتنعت دول عدة فقط عن التصويت هي العراق ولبنان والجزائر.

هذا يعني انهياراً كبيراً حتى في سياسات عربية ضعيفة كانت تكتفي بموقف علني رافض للعلاقة مع «اسرائيل»، لكنها تعمل في الخفاء من أجل تحقيقه، بما يعني نجاح الأميركيين في تشكيل حلف عربي ـ إسرائيلي قال وزير خارجيتهم بومبيو انه ضد إيران، وفي اليوم الثاني على هذا التصريح هاجمت طائرات إسرائيلية مواقع في دمشق وأسندتها بغارات منذ يومين فقط على حلب، عبر الحدود العراقية، أي مرّت في أجواء الأردن والحدود العراقية السورية التفافاً فوق مناطق السيطرة الكردية في شرق الفرات، لتقصف حلب وتعود عبر أجواء البحر المتوسط الى الكيان المحتل.

لقد كشف هذا الانهيار العربيّ، مدى الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها منظمة حماس في هذا العقد الأخير..

يأتي في مطلعها، ذلك العداء العميق الذي أظهرته حماس تجاه الدولة السورية ودعمت خلاله، كل أنواع المعارضات الإرهابية التي كانت تهاجم الجيش العربي السوري.. وخصوصاً القريبة منها لتركيا والاخوان المسلمين، باعتبار أن منظمة حماس الفلسطينية هي جزء من كونفدرالية الاخوان التي يقودها حالياً حزب العدالة والتنمية الاخواني الذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.

ما هو واضح بعد هذه التطورات أن منظمة حماس اقتنعت أخيراً أن فلسطين هي التي يجب أن تكون أيديولوجيتها الأصلية والأخيرة، ما يفرض عليها إلغاء كل المعوقات التي تفترض سبيل تحريرها، فإذا كان الاخوان المسلمون يحكمون تركيا حالياً، فالأتراك يحتفظون بعلاقات دبلوماسية عميقة وتاريخية مع «اسرائيل» متمتعين بعلاقات اقتصادية واسعة معها، فكيف يمكن لأنقرة الانخراط في تحرير فلسطين، وهي التي تستضيف ثلاث قواعد اميركية واخرى للناتو على أراضيها، وتنسج كل انواع العلاقات مع الكيان المحتل؟

لذلك قطع قائد حماس إسماعيل هنية حدود غزة متسللاً إلى مصر، ومنها نظم جولة في بلدان عربية عدة بينها لبنان. ما أظهر أن حماس أدركت اخيراً ان حلفاءها الفعليين في تحرير فلسطين هم حزب الله وسورية وإيران، والفلسطينيون المنتشرون في غزة والضفة واراضي 1948 ومخيمات الشتات في سورية ولبنان والأردن.

يبدو هنا أن عناصر الارتباط بحزب الله وإيران موجودة بقوة، لكنها مفقودة مع السوريين لأن منظمة حماس بالغت في توجيه انتقادات للدولة السورية، وتأييد منظمات الاخوان وتلك المتحالفة مع تركيا في مشروعها لإسقاط دولة دمشق!!

الواضح أن حزب الله جدير باصطحاب «حماس» إلى الدولة العربية الوحيدة التي تعمل وتؤمن بفلسطين فلسطينية وسورية وعربية، ولو قبل الراحل حافظ الاسد بفكرة التنازل عن تحرير فلسطين لأعادوا إليه الجولان ولكانت سورية أكثر الدول المستقرة في المنطقة، كما أن رفض الرئيس الحالي بشار الاسد المساومة على فلسطين أنتج هذا المشروع الغربي ـ الإرهابي الذي يهاجم سورية منذ 2011.

والسؤال هو متى تصل حماس الى فلسطين من طريق سورية؟ وهذا هو الخيار الأخير الذي يجب ان تعتبر حماس فيه ان مشروع تحرير فلسطين هو الذي يحدد هوية الأصدقاء والأعداء، وسورية الراعي التاريخي لقضية فلسطين لن تتأخر في استقبالها على قاعدة المشروع المشترك بالتصدّي للهجوم الأميركي على المنطقة العربية وإيران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى