ثقافة وفنون

تكريم حافظ الشيرازيّ؛ شاعر الإنسانيّة في بعلبك

روضةِ وردٍ شيرازيّةٍ تخرج من  قلب الزمان والمكان لتحلَّ في يوم حافظ الشيرازي في مدينة الشمس، في جوٍّ خريفيٍّ أضفَت عليه الشمسُ المسائيّةُ دفئاً خاصاً، وفي بقعةٍ مزدهرةٍ بالأشجار والورود، تُحيطُ بها قفارُ مدينةِ بعلبكَ المعروفةِ بجفافها فكانت مثلَ روضةِ وردٍ شيرازيّةٍ خرجت من قلب الزمان والمكان لتحلَّ في يوم حافظ الشيرازي في مدينة الشمس، حيث  أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان احتفالاً بهذه المناسبة العالمية، في ندوةٍ جمعَت بين الحضور الحقيقي والافتراضي، فكانت مشاركاتٌ حضوريةٌ لثلّةٍ من رواد وأساتذة الأدب الفارسي والعربي منهم الشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين، إضافةً إلى مشاركاتٍ مهمةٍ عبر الفضاء الافتراضي، احتفاءً وتقديراً لشاعر العرفانِ والغزل الفارسي حافظ، واحتفاءً بالأدب والشعر والحضارات والتاريخ.

إذن في يوم تكريم شاعر العرفان والغزلحافظ الشيرازيوتخليدًا لذكراه، نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان ندوتها الافتراضية بعنوانحافظ الشيرازي؛ شاعر الإنسانيةبحضور ومشاركة ثلّة من الذين تغنّوا بشعر حافظ وتأثّروا به، وكتبوا عنه، مع مراعاة الضوابط الصحية المتعلقة ببرتوكولات كورونا والتباعد الاجتماعي.

حضر الندوة العديد من الشخصيات الثقافية والفكرية والاعلامية والأكاديمية، منهم العلامة الشيخ الدكتور جعفر المهاجر، الدكتور علي زيتون الحائز على جائز الفارابي الدولية والذي كرّمته المستشارية الثقافية الإيرانية قبل أسابيع في بعلبك، باحتفال مهيب رعاه وشارك فيه وزير الثقافة عباس مرتضى والمستشار الثقافي الإيراني الدكتور عباس خامه يار، مسؤول إعلام حزب الله في البقاع الحاج احمد ريا، أستاذ الفلسفة وعلم الكلام في الجامعة اللبنانية الدكتور خضر نبها، رؤساء أندية ثقافية ومنتديات فكرية في البقاع، عدد من أساتذة الجامعة اللبنانية والعديد من الجامعات في البقاع، وشعراء ومثقفون ومهتمون ووجوه ثقافية واجتماعية واعضاء مجالس بلدية واختيارية.

أدارت الندوة الكاتبة الروائية أمل ناصر.

خامه يار

بداية، تحدث المستشار  الثقافي  للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار والذي وجّه تحيةٌ للحضورِ والأساتذة والأدباء المشاركين، وخصّ بالتحية الشاعر الكبير الدكتور محمد علي شمس الدين وأهالي بعلبك.

وقال في كلمته: تحية لمدينة بعلبك التي  عهدناها حاضنةً لكلِ نشاطٍ ثقافيٍّ تكريميّ، لا سيما في هذه الأيامِ والشهورِ التي غلبَ عليها الحَجرُ والانعزال. أما اليوم، فإننا نحتفلُ بالعارفِ وشاعرِ إيرانَ الكبير حافظ الشيرازي. هذا الشاعرُ العرفانيّ الذي اعتبرَهُ الفرسُ قديماً ولياً من أولياءِ اللهِ الصالحين، الذينَ جمَعوا الغزلَ والعرفان والقرآن معاً، فكانت قصائده وغزلياته أشبه بالمناجاة والاستخارات حتى راح الإيرانيون حتى اليوم يتفاءلون بديوانه الشعريّ، المرفق بتفسيرٍ مفصّل لكل بيت. يعدّ حافظ اليوم واجهةَ إيران الثقافية وعنوانَها التعريفيّ. نحن نقرأُ حافظ بل نحفظُه ونردّدُ أشعارَهُ في قضايا الحبّ والإنسانِ والضميرِ والوطنِ وحب الله والإخلاص والإشراق. ونقتفي من ديوانِه أثراً يخلّصُنا من التردّد والحيرة ويرشدُنا إلى نورٍ ما. فضلاً عن كَونِه رائدَ الغزلياتِ الشيرازية التي عُرِفَ باختتامِه الأبيات دائماً مخاطِباًحافظ“. كما لو كان يبدأ بالنصحِ والإرشاد من نفسِه، ويكون حافظ بذلكَ كلَّ الناس، لأنه يشعرُ بكل الناس.

وأضاف: هو ابنُ إيران البار المعروف بشاعر الغزل ولسان الغيب وترجمان الأسرار أو مَحرمُ الأسرار العاشق الذي اشتهرت عنه مقولة أنّ من يرغبُ بكشفِ سرٍّ ما من حياتِه عليه أن يقسمَ على حافظ بمعشوقتِه التي تسمّىعود النباتفهو كاشف الأسرار بالنسبة إلى عشّاقِه وهم جمهورٌ واسعٌ عبر العالم أجمع وليس فقط في إيران.

وتابع عباس خامه يار: تُعتبر هیكلیة الأشعار الغزلیة لحافظ والتي تتمیّز أبیاتها بالاستقلال والتنوّع والتحویلات أكثر من أيّ أشعار غزلیة أخری، بما فیها أشعار الغزل الفارسیة التقلیدیة، متأثّرة بهیكلیة السور والآیات القرآنیة الكریمة. ويرى البعض أن كلمة (العشق) التي اتخذها حافظ إطاراً لشعره لم تكن وليدة إحساس آني أو تأثير عاطفي عابر، بل هي من أسماء الجلالة، فيعتبر العشق غاية الكمال الإنساني لأن الإنسان يرتبط بمعشوقة روحياً، وإن عجينة الإنسان الأساسية هي (العشق) أي أن طينته عجنت بشراب (العشق) وأن جميع الموجودات في العالم خلقت من أجل أن تعشق وتحبّ ولو لم يكن العشق لما بقي شيء اسمه الطلب والتمني.

هركز نمیرد آنكه دلش زنده شد به عشق            

ثبت است بر جریده عالم دوام ما

وترجمته: لن يموت أبداً من يعيش علىِ العشق الدائم ولذلك فاستمراريتُنا ثبتت في صحف العالم.

وختم خامه يار كلمته قائلاً: لقد ترك لنا حافظ ثروة أغنى بها الأدب الفارسي والعربي بل العالمي حتى. فديوانه هو بمثابة حافظتِنا المكتوبةِ وعصارةِ فكرِنا وثقافتِنا ومرآةِ ذهنِنا وكذلك وجدانِنا.. وهو الكأسُ التي تحكي للمتأمل بشرابِه عن ماضيه وحاضرِه ومستقبلِه.. ففي شعرِه البسمةُ والدمعةُ.. القهرُ والمحبة.. الخيبةُ والأمل. لقد نالَ شعرُ حافظ إعجابَ العديدِ من كبارِ روادِ الأدبِ والفكرِ في العالم فأكرموه حتى أصبحَ شاعرَ كلِ العصورِ والأزمنة. وقد وصفَ رائدُ الأدبِ العربي الأولُ الأستاذ المرحوم طه حسين ديوان حافظ بـ(زهرة الشعر الفارسي) قائلاً إنه أثرٌ قيِّم . والمفكر نيتشه الذي انحنى لحافظ إجلالاً وإكراماً وقال مخاطباً إياه:

فإنك أنت الخمرُ وقد أسكرتَ العالمَ أجمع

فلماذا كلُّ هذا الحديثِ عن الخمرة؟“.

شمس الدين

من جهته قال الشاعر د. محمد علي شمس الدين في كلمته التي جاءت تحت عنوان «حافظ الشيرازي شاعر الحكمة، صلة وصل مع شعره»، بدأها بمدخل بعنوان «المصالحة بين الزمان والحرية» و«موسيقى رؤية قلبك داخل صدرك الشفّاف مثل زمردة في الماء».

في هذا المقطع من شعر حافظ الشيرازي، قال الشاعر د. محمد علي شمس الدين: على أصل الرؤيا لديه، فالاصل هو «القلب» والكشف عنه في المكتن الشفّاف  الصدر. بل هنا أساس الحكمة في كلمات هذا  الشاعر الاسلامي العظيم، الذي يعتبر في الشعر الفارسي بخاصة، والشعر الانساني بعامة، من الأكثر صفاءً ونفاداً في النفس البشرية .

وأضاف شمس الدين: إن فتح النوافذ بين إنسان وآخر، بمعزل عن لونه وعمره، لغته ومعتقده، من خلال هذا النصّ، ربّما أعطى إشارة مبكرة، في الزمان التاريخي لما سُمي في العصور الحديثة «حوار الحضارات»، أو لشرعة حقوق الانسان التي كُرست في الامم المتحدة بعد الحروب الكونية والنزاعات المريرة. فإن روح أشعار حافظ الشيرازي وجوهرها يحتملان مثل هذا التأويل . لقد جاء شعر حافظ بمثابة زبدة شعر الحكمة بعد اشعار كل من الرودكي وجلال الدين الرومي، الذي كان في المثنوي خاصة، صوفياً تعليمياً، وسعدي الشيرازي، وسواهم ممن أسسوا للمعاني العرفانية أو للنهج العرفاني في الشعر الفارسيمع ملاحظة تمتع هذا الشعر بالبساطة والعمق في وقت واحد، وتناوله موضوعات تتعلق بالحب والمرأة والخمر والشباب، في سديم من عرفانية دينية بيضاء، كانت تتحرّك في شعره خارج منطقة الخوف الإلهي، بل تحت مظلّة «الرحمة والغفران»… فصورة الإله في غزلياته هي صورة الرحمن الرحيم أكثر مما هي صورة الجبّار المُنتقم.

مهدوي مهر

الكلمة التالية كانت من ايران  للشيخ محمد حسين مهدوي مهر، رئيس جامعة المصطفى العالمية في لبنان وسورية بعنوان «حافظ والانتظار».

قال فيها: كَمْ أَنْبتَتْ أرضُنا طَوالَ تاريخِها مشاهيرَ العُشَّاقِ وُروداً عطَّرَتْ بِعَبَقِها صفَحاتِها لعصورٍ؛ ومنهم شاعرُنا الكبيرُ حافظُ الشيرازيُّ وكَمْ من عُرفاءَ عرفَت بسيطتُنا خُطواتِهِم مطبوعَةً على مِهادِها وَوِهادِها، سُهولِها وصَحاريها. وكَمْ شهِدَتْ مجتمعاتُنا البشريّةُ فنّانينَ انبثَقوا من أوساطِها مُعَبِّرين عن مَشاعِرِهِمْ نَظماً، لِيُهْدُوا عُصورَهُمْ دواوينَ تجمعُ في طَيَّاتِها أَروَعَ أحاسيسِهِمْ الكامنةِ عُقُودَ جُمَانٍ استعاراتٍ وتمثيلاتٍ.

نظام

الكلمة التالية كانت للدكتور نادر نظام، أستاذ في جامعة العلامة الطباطبائي في إيران والذي قدّم مداخلة بعنوان «ديوان حافظ الشيرازي بالعربية شعراً» وبدأ كلامه بالحديث عن حياة حافظ الشيرازيّ وفلسفته الشعرية.

وأضاف: انك نبع الشعر الذي يصل بالأماني الى الأوج، فإذا هي فيض في اثر فيض وموج في اثر موج. والحسنة ان حافظاً كان يجسّد ما في نفسه وأحاسيسه بصياغة أهازيج شعرية تتردد على ألسنة آلهة الشعر، وتظلّ اصداؤها مصدر الهام في كل مكان وزمان، تحمل الانسان على عالم غير عالمه، عالم يغرق بالانسانية والحب والحكمة والجلال.

خورشا

تحدث بعد ذلك د. صادق خورشا، أستاذ في جامعة العلّامة الطباطبائي من ایران بموضوع «حزمة الورد» و«العندليب».. اعده مع حافظ الشیرازي.

وكانت مداخلات لعدد من المشاركين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى