أخيرة

إرادة التغيير…
قوة الفعل
 وفاعليّة الإنجاز

د. جورج جريج

أشياء كثيرة تغيّرت على مستوى العالم، لا سيما الانتظام العام للجماعات البشريّة، والذي تأثّر بالتطور الهائل لعالم المعارف والتسارع غير المسبوق الذي فرضته ثورة المعلوماتية، ما حوّل العالم قرية كونية واحدة تتفاعل فيها الجماعات بأشكال مختلفة، وفرض العالم الافتراضي مساحات جديدة خارج إطار المحسوس والملموس، وأضحت للوجود أبعاد جديدة، والافتراض أحد أبعاد هذا الوجود.

 

وبفعل هذا التحوّل المفصلي، تأثرت أطر العمل الجماعي، التي كانت تعمل في بيئة متغيّرة بإيقاعات منتظمة قابلة للقياس، ويمكن قراءتها والتعامل معها والتكيّف مع ارتداداتها، وأصبحت تعمل في بيئة جديدة شديدة التعقيد سريعة التغيّر، سمة الاستقرار فيها مرتبطة باستمرار التغيير في البعد الارتقائي المتسارع.

هذا التأثر لم يكن حدثاً عادياً بالنسبة للجماعات المنتظمة معاً لتحقيق غاية مشتركة، بل يمكن مقاربته كحدث خارجي يتمّ التعامل معه بأبعاد ذاتية مع البعد الموضوعي الخارج عن الذات، فتداخلت الأبعاد، وازدادت أهمية ثقافة المؤسّسة، والمسؤولية الاجتماعية، وأخلاقيات الأعمال. كما ظهرت مصطلحات جديدة على مستوى العلوم، وحدث تغيّر جذري بتسارع التطوّر، وتقدّمت مصطلحات كثيرة، وأصبح مفهوم إدارة التغيير على رأس أولويات إدارة نظم العمل الجماعي، من أجل التكيّف مع المستجد الحدث كأولوية وجودية لا بدّ منها للبقاء والارتقاء. إلا أنّ مفهوم إدارة التغيير ليس كلمات يحدث معها التغيير تلقائياً بمجرد النطق به، إنه عالم جديد من المعارف لا بدّ أن يقارَب بمنهج، يبدأ بإلحاح التحدي ولا ينتهي به، إنه مسار تفاعلي لا بدّ منه لأيّ جماعة تريد البقاء والانتصار. لقد أصبح التخطيط الاستراتيجي جوهر التحدّي، والهندرة (الهندسة الإدارية) رأس الأولويات، وإدارة المعرفة فضاء أبجدية الفعل في الاتجاه.

وهكذا أصبح الانتظام الجماعي، أمام تحديات وجودية، وأصبح مفهوم الاستقرار الذي تسعى إليه الجماعات بإدارة شؤونها، مرتبطاً جذرياً باستمرار التغيير بالأدوات والأساليب والنظم لمواجهة التحديات والتعامل معها، وأصبح مفهوم الاستقرار متماهياً مع مفهوم الاستمرار في التغيير على مستوى الأساليب والأدوات،  الأمر الذي يعطي أيّة جماعة القدرة على الاستمرار، وعدم الزوال.

كلّ ذلك وغيره من تحديات، لا يمكن حصره بالأفراد فقط، فالجماعات لا تُعرف بنجاحات أفرادها، من دون قياس فعل الأفراد في الجماعة لتحقيق الغايات التي اجتمعوا لأجلها، وإلا انتفى واقع الاجتماع بانتفاء الغاية، لأنّ انتظام هذه الجماعة معاً، في الأساس مرتبط جذراً بالمنطلقات والأهداف.

وعليه، لا بدّ أن نقيس واقع فعل الجماعة، بقوّة الفعل نفسه، وبوحدة الاتجاه وفاعلية الإنجاز…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى