الوطن

ماكرون يبحث عن شعبيّته الفرنسيّة المتراجعة
في استعداء المسلمين

} د.وفيق إبراهيم

يذهب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعيداً في محاولة استرداد شعبيته المتراجعة في بلاده، منتقياً المسلمين هدفاً للتسديد عليهم، آملاً أن يؤدي هذا الأمر إلى هدفين: الاول هو تحسين الاوضاع الاقتصادية في فرنسا، والثاني هو الاستحواذ على تأييد الفرنسيين من الطبقتين الفقيرة والوسطى.

هناك طموحات ماكرونية أخرى في العالم الإسلامي ترد نتاجاً لحركته الداخلية، بذلك يصبح بوسعه السيطرة على الانتخابات المقبلة والتجديد له لولاية رئاسية ثانية وفوز التحالفات النيابية والحكومية الدائرة في فلكه..

قد تشير هذه العلاقة بين الانتقادات العنيفة التي وجهها ماكرون الى الإسلام كمعادلة دينية سياسية وبين الاوضاع الاقتصادية الفرنسية الدهشة والاستنكار.

إلا ان التعمق في خفاياها، يوضح مدى الترابط بين السياسات الجديدة لماكرون المتجهة للاستثمار في تداعيات جريمة قتل مدرس فرنسي في إحدى مدارس ضواحي العاصمة باريس، لنشره رسوماً كاريكاتورية اعتبرها شيشاني إسلامي متطرف يعمل في فرنسا مسيئة الى النبي محمد، وقام بقتله وتقطيعه.

ما فعله هذا المدرس هو عمل مدان ومرفوض وبربريّ، لكنه جرى ضمن سيادة بلد فرنسي لا ترفض قوانينه حتى نشر رسومات مسيئة للسيد المسيح أو لأي نبي آخر، ففيما يتعرّض للسجن وحتى الإعدام من ينشر صوراً مسيئة لملك او رئيس عربي، تمّ هذا الأمر في بلاد الغرب من دون مساءلة قانونية او سياسية.

لا بدّ هنا من التأكيد أيضاً ان ماكرون يعرف بعمق ان القاتل الشيشاني يجسّد متطرفاً استفاد من الوهابية السعودية وحركة الاخوان المسلمين اللتين أسستا مئات المراكز الدينية في العالم الاسلامي لنشر الفكر المتطرف الرافض أي «آخر».

ويعلم ايضاً أن هذه الحركات انتشرت بدعم في انطلاقتها من الاحتلال الانجليزي ـ الفرنسي للعالم العربيوتطوّرت مع الاستثمار الأميركي ـ السعودي فيها في سبعينيات القرن الماضي في افغانستان ومجمل دول آسيا الوسطى.

كما أن ماكرون في أجواء مدى الاستثمار الاميركي السعودي ـ القطري ـ الإماراتي ـ التركي في منظمتي القاعدة وداعش ومتفرّعاتهما باعتراف رئيس وزراء قطر السابق حمد جاسم ودورهما في تدمير العراق وسورية ومصر وليبيا وتونس والصومال، بإشراف من التحالف الدولي الموجود وعلى أراضٍ سورية وعراقية يتعايش فيها بعلاقات تعاونية واسعة مع الإرهاب «الإسلاموي». ما يمكن استنتاجه هنا، أن ماكرون يعرف بدقة ان الارهاب الاسلامي يشكل جزءاً هامشياً من عالم اسلامي كبير قابل للتعايش مع الآخر، لكن هذا الآخر الغربي والفرنسي لا يتعامل معه الا احتلالاً لأراضيه وسطواً على موارده الاقتصادية.

فلماذا يتعمّد ماكرون الإساءة الى الاسلام فيما تحتل بلاده ربع افريقيا وقسماً من سورية والعراق وليبيا وتسرق كامل احتياطات مالي من الذهب وموارد موريتانيا؟

لقد تسببت جائحة كورونا في تراجع الاقتصاد الفرنسي بمعدل 60 في المئة تقريباً بشكل يشمل فيه الإنتاج السياحي، وهذا تسبَّب في تراجع الطبقة الوسطى الفرنسية التي تؤمن تاريخياً الاستقرار السياسي للدولة كما يدفع الفقراء تدريجياً إلى حافة جوع فعلي مهدد للنظام السياسي.

يكفي أن موارد السياحة الفرنسية كانت تتعامل مع نحو ثمانين مليون سائح يأتون سنوياً الى مدنها ومناطقها المختلفة. أما في الوقت الحاضر، فالسياحة متوقفة والإنتاج الاقتصادي متراجع ومراكز الأعمال تطرد بشكل تدريجي عمالتها.

هنا تفتقت عبقرية ماكرون عن حل سريع يحول دون الانهيار الاقتصاديوكما كانت العمالة العربية الرخيصة من المغرب والجزائر وتونس البنية التحتية لازدهار الاقتصاد الفرنسي بين القرنين 19 و20، فلماذا لا تكون هي نفسها السبب في منع انهياره.

فهناك نحو 5 ملايين عامل عربي من شمال أفريقيا يعملون في فرنسا عبر حصولهم على جنسيات فيها او بواسطة نظام إقامات قابلة للتجديد.

يغطي هؤلاء معظم الأعمال الأولية التي يأبى الفرنسيون العمل فيها، لكنهم غير مندمجين حتى الآن بالفرنسيين، والسبب ان هناك استعلاء فرنسياً مركباً من الفارق الطبقي مع الاعتقاد برفعة الانتماء الفرنسي على هؤلاء الوافدين.

هذا ما دفع بماكرون الى استغلال الطائفة الاقتصادية الفرنسية باستهداف العمالة الإسلامية في فرنسا، والتهجم على الإسلام لزعزعة استقرارها في فرنسا، فيرحل معظم العاملين فيها بنظام الإقامات المفتوحة الى بلدانهم، هذا مع إمكانية رحيل عمال شمال افريقيين من الحائزين على جنسياتهم عندما يصلون الى حدود البطالة الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي والديني.

ما يجعل من خطة ماكرون نافذة أنها مؤيدة من الجانب الاقتصادي ـ السياسي ـ الديني ـ الفرنسي، ولا تلقى اعتراضاً من دول إسلامية تخاف من اتهامها بالتطرف، فها هو ولي العهد محمد بن سلمان يزيل مداميك التطرف الوهابي من مملكته في واحدة من حركاته الاستعراضيّة السطحية، وهذه قطر داعمة الاخوان، لا تأبه لمصير أي عمالة إسلامية، وهذه تركيا تحاول قتل ماكرون الاستثمار في الإسلام بزعم الدفاع عنه، إلى ان يتضح انها تستثمره لمصالح أردوغان.

فهل ينجح ماكرون؟ انه يقلد الرئيس الاميركي ترامب في استهداف المسلمين لكسب اصوات الفرنسيين والخطير أن هذا أسلوب متصاعد قابل للاستخدام في كامل العالم الغربي على اساس انتفاء الحاجة للعمالة الوافدة من الخارج وغياب الدول الاسلامية القادرة على الدفاع عنهم عبر التمييز بين الارهاب الاسلامي والمسلمين، فكيف يمكنها ان تفعل ذلك وهي التي غطت ورعت هذا الإرهاب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى