الوطن

هل نحتاج إلى «عطوان الكحلي» لإنقاذ لبنان وشعبه قبل وقوع «الفاس بالراس»؟

} علي بدر الدين

يُروى أنّ مجموعة من العسكريين فشلت في محاولة الانقلاب على رئيس جمهورية «الكونكان» فنجر طفيري، الذي قمعها وزجّها في السجن. في اليوم التالي، فوجئ حرس القصر الجمهوري بكتابة أحرف على جدرانه هي، (س س س 11) ولم يستطع أحد تفسيرها، غير أنّ ضابطاً في الشرطة قال للرئيس: «أظن أنه لا يمكن لأحد فكّ هذه الشيفرة وحلّ رموزها إلا عطوان الكحلي. سأله الرئيس ومن يكون هذا؟ أجابه الضابط بثقة انه «محشش»، وهو في السجن بتهمة تعاطي الحشيشة. أمر الرئيس بإطلاق سراحه وإحضاره على الفور. وعندما مثل أمام الرئيس، وطلب منه تفسيراً للشيفرة وفكّ رموزها. ردّ المحشش أنه لا يستطيع أن يفسرها ، إلا إذا تعاطى الحشيش. فأمر الرئيس بتلبية طلبه وإحضار الحشيش. وبعد أن شعر أنه بلغ مرحلة الكيف، التفت إلى الرئيس وقال له: أفسّرها لكم، مقابل إعطائي الأمان، وكرّر طلبه ثلاث مرات، وقال له الرئيس لك الأمان ثلاث مرات أيضاً.

الشيفرة يا سيادة الرئيس لـ (س س س 11) تقول: (سياسة سيادتكم سحقتنا واحداً واحداً). بعدها أصبح الرئيس وحاشيته ومستشاريه يتعاطون الحشيش حتى لا يحتاجون لأحد من خارج منظومتهم السياسية، ليفسّر لهم ألغازهم ويفكّ رموزهم ويكشف مستورهم ويفضح فسادهم.

واقع حال السياسيين في لبنان مختلف كلياً عن رواية الكونكان لأنهم تمرّسوا على فكّ الشيفرات وتفسير الألغاز منذ أن دخلوا المعترك السياسي وامتهنوا ألاعيبه، وأساليبه الاحتيالية، وسلكوا طرقه الملتوية، وأمسكوا بأول الخيط الذي تمدّد صعوداً إلى مواقع السلطة، وإدارة الدولة ومؤسساتها ومقدراتها، ومدّوا أياديهم إلى أموال الشعب وحقوقه، وحرمانه وإهماله، وكلما إزداد فقراً، إزدادوا هم غنى وثراء. وشكلوا طبقة سياسية ومالية أكلت ما لذّ لها وطاب، ونهبت ما طالته أياديها، وما وقعت عليه عيونها من أموال عامة وخاصة، وأملاك برية وبحرية وحتى فضائية، وأحرقت ما تبقى من أخضر ويابس، حتى لا ينبت بعدها حشيش.

الخط البياني لهذه الطبقة في تصاعد مستمرّ سياسياً وسلطوياً ونفوذاً ومالاً إلى ما لا نهاية أو حدود وسقوف. إنها تدرك أنّ تداعيات السقوط من العلو ستكون حتماً مدمّرة وقاتلة ومدوية، وكلّ طلوع يقابله نزول مهما طال الزمن.

في حين أنّ الخط البياني للشعب اللبناني في «صعود» متواصل إلى الهاوية، تحت ضغط صعود الطبقة السياسية والمالية على ظهور الفقراء والمساكين والمقهورين والمضللين من اللبنانيين، الذين ما زالوا عاجزين عن فكفكة الألغام والأفخاخ المنصوبة لهم، حتى لأحلامهم وتوقهم إلى العيش في وطنهم أحراراً، كرماء، اسوة بمعظم شعوب العالم ولو بالحدّ الأدنى المطلوب.

فشل الشعب أيضاً في فكّ ألغاز ظلم وجشع وتسلط واستبداد الطبقة السياسية، التي لا تبرع إلا بإدارة شؤون مصالحها، وحماية مكاسبها، وانتزاع حصصها، ولو كانت في فم التنين وأوكار المافيات. في حين أنها تتذاكى وتتشاطر على المواطنين الذين بفضل سياستها الإفسادية والجشعة أصبحوا «ع الحصيرة» ولا حول لهم ولا قوة ولا عمل، وفقراء معدمين جائعين منهكين ينتظرون الجمعيات الخيرية والإنسانية والأهلية لتسدّ رمقهم وجوعهم بالقليل، الذي هو خير من حرمان الطبقة السياسية والمالية لهم، وهي التي سلبتهم حقوقهم وداست كرامتهم وأذلتهم وحرمتهم «اللقمة».

الطبقة السياسية التي تتباهى اليوم بإنجاز إسقاط البلاد والعباد، بالضربة القاضية وصرعتها، لا تزال مُصرّة وممعِنة على سياستها، التي لم تجلب سوى القتل والدمار والهجرة وإفراغ البلد من أدمغته ومثقفيه وأطبائه وأصحاب الطاقات الاقتصادية والمالية والعلمية، لتبقى في سدة السلطة والتحكم بالقلة المتبقية، المبايعة والمصرّة بدورها على الصمت والتبعية والارتهان.

وتنتظر وعود تأليف الحكومة، مع أنّ تعاطي القوى السياسية لم يتبدّل او يتغيّر، رغم الانزلاق السريع نحو النهاية الخطيرة. مع أنّ المطلوب أن يتحوّل إلى صدمة تنبه هذه الطبقة، وتعيد اليها وعيها المفقود، وتحذرها من تداعيات ومفاعيل استلشاقها، ولامبالاتها، تجاه ما يتربّص بلبنان من أخطار كبيرة، قد تطيح به وترمي شعبه بالمجهول.

هل تقدر هذه الطبقة أن تكون صادقة ولو لمرة واحدة، مع ناسها وبيئاتها، والاعتراف لهم، بأنها لا تملك أيّ قرار في الاستحقاقات الوطنية والدستورية، ومنها تأليف الحكومات، وأنها تنتظر، من سيكون رئيساً لأميركا، وما هي سياسته الخارجية في المنطقة وما هي حصة لبنان منها، ومتى تتقاطع المصالح أو تضارب معها على مستوى الإقليم.

أقلّ الواجب والمسؤولية ان تتفرّغ للأوضاع الداخلية ومصالح الناس وإعادة الإعتبار إليهم وتخفيف الأعباء عنهم ووقف الفساد والنهب والهدر والمحاصصة، والأهمال المزمن، وعدم رفع الدعم وارتفاع الأسعار وشفط الطحين وتركه في العراء وإفساده وهو حق للشعب، وترك المجال مفتوحاً للتدقيق الجنائي الذي اجتمعت الطبقة السياسية بمعظمها على رفضه وعرقلته حتى لا يكون شاهداً على ارتكاباتها وفسادها وحجم الثروات التي أخذتها من الدولة والشعب من دون وجه حق. وهي تعلم أنّ الآتي ينذر بالأسوأ والأخطر.

 لن تؤلف الحكومة قبل وضوح المشهد الانتخابي في أميركا وتداعياته، خاصة أن لا نتائج حاسمة تحدّد من هو رئيس أميركا المقبل، وقد لا يُحسم إسم الرئيس قبل العشرين من كانون الثاني المقبل، موعد التسليم والتسلّم. فهل تواصل هذه الطبقة النفاق والوعود بالتأليف، ومراقبة الطريق إلى القصر الجمهوري لرؤية الرئيس المكلف وهو يتأبّط ملف التشكيلة؟

كلّ ما يُشاع ويُذاع عن قرب موعد الصعود إلى بعبدا، لإطلاع رئيس الجمهورية على آخر إبداعات التأليف ليس صحيحاً ولا واقعياً، وقد تحصل الزيارة ولكن من دون ملف، إنما للتشاور وتوابعه. ما يحصل ليس سوى وهم وخداع، وكلما غرقت السلطة بلعبة التكتم الشديد والحرص الزائد، فهذا يعني أن لا جديد و»مكانك راوح»، وأنّ الطبخة الحكومية لم تكتمل مكوّناتها الأساسية بعد، ولم يتمّ وضعها على نار حامية أو هادئة. وكلّ خطوة إلى الأمام تقابلها خطوات إلى الوراء وتؤخر ولادة الحكومة.

ما يحتاجه اللبنانيون اليوم قبل الغد، البحث عن عطوان الكحلي لأنه وحده القادر على تفسير ألغاز الطبقة السياسية الحاكمة وفك شيفرتها، التي كما يُقال «لم يعد يعرف لها حرف من طرف»، وقد حان وقت فضحها وكشف مستورها وألاعيبها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى