الوطن

هل بقي من وقت لحماقة جديدة يرتكبها ترامب؟

عمر عبد القادر غندور*

لم ينتظر العالم أن يقوم الرئيس الأميركي المهزوم بما قام به قبل أن يغادر البيت الأبيض في العشرين من الشهر الحالي ويترك كرة نار ملتهبة لخلفه بايدن! ولم يتصوّر أحد أن يصدر ترامب أمراً لمؤيديه باقتحام الكونغرس لحظة اجتماع مجلسي الشيوخ والنواب لإعلان قرار المجمع الانتخابي بفوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وهو ما حصل فعلاً وشهد العالم بلطجية ترامب وهم يقتحمون مبنى الكابيتول ويدخلون القاعات والمكاتب، ولن ينسى الأميركيون الصورة المتداولة لأميركيّ يرتدي الجينز ويضع على رأسه قبعة البيسبول وهي اللعبة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة ويجلس إلى كرسي رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي وقد رفع رجله فوق مكتبها. ويقول المؤرّخون إنها المرة الأولى التي يتمّ فيها اقتحام الكونغرس منذ العام 1814 بعد أن قام البريطانيون بإحراقه عام 1812!

مثل هذه البلطجة التي مارسها ترامب ما كان لألدّ أعدائه أن يقوم بها لإحراقه وإنهاء حياته السياسية وتخلي أقرب المقرّبين عنه؟ ولعله أدرك ما حلّ به بعد فوات الأوان وخاطب مؤيديه بالتوقف عن العنف والعودة الى بيوتهم.

واعتبر الجمهوريون قبل الديمقراطيين أنّ ترامب بات خارج الصورة وأولهم نائبه الجمهوري مايكل بنس الذي قفز الى أول قارب للنجاة وقال إنه لا يوافق رئيسه على موقفه من نتائج الانتخابات وسرعان ما علق ترامب على ذلك بالقول «خذلته الشجاعة».

ويقول الإعلام الأميركي الآن، إنّ السادس من كانون الثاني 2021 سيبقى محفوراً في ذاكرة التاريخ أسىً وحزناً.

وتتوالى الآن الاستقالات من كبار أعوان ترامب وآخرهم وزيرة النقل إيلين تشاو وهي زوجة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ويسود قلق واضح داخل الحزب الجمهوري وابتعد الكثير من أعضائه عن دائرة الرئيس المهزوم مثل مايك لوكناني ممثل الولايات المتحدة الى إيرلندا الشمالية وقال: لا أريد أن أكون جزءاً منه، وأعلن رئيس مجلس الأمن القومي السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أنه لم يعد يسير وراء ترامب وأنه بات خارج الصورةهذا كثير كثير جداً.

وأبلغ التعليقات جاءت على لسان مدرّب في  NBAقال: لو كان الزنوج هم الذين اقتحموا الكونغرس ماذا كان سيحصل؟

وقبل أقلّ من أسبوعين من نهاية ولاية ترامب نقلت مصادر انّ تراجع نشاطات ترامب في الأسبوعين الماضيين تفيد بعدم قدرته على التعاطي مع الأمر الواقع، وانّ الحكومة الأميركية أمام خيار عزله كونه غير جدير بالمنصب. وقد توالت الدعوات إلى إنهاء ولايته عبر تفعيل المادة 25 من الدستور.

وتتوالى التعليقات من جميع الدول وكلها مصدومة لما جرىوقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون «إنّ ما جرى يمثل طعنة للديمقراطية ومخزٍ»، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «ما حصل في واشنطن كان مخزياً ومسيئاً للديمقراطية والذي حصل لا يشبه أميركا». ودعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس جماعة ترامب الى «الكفّ عن دوس الديمقراطية بأقدامهم»، حتى منصات تويتر وفيسبوك وانستغرام أوقفت حسابات ترامب، وقالت فيسبوك نعتقد أنه يساهم في زيادة مخاطر العنف بدلاً من أن يقلصها.

إلا أنّ ترامب قال في الساعات الأخيرة إنه يدعو إلى المصالحة وانه سيعمل على انتقال منظم للسلطة بعد أن أحرق جميع أوراقه.

والبارز اليوم ما قالته صحيفة «التايمز» البريطانية على لسان مراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سينسر: «ان الأحداث المروعة التي شهدتها الولايات المتحدة ليلة الأربعاء والمتمثلة باقتحام الكابيتول من قبل حشد مسلح وعنيف من جماعة ترامب في محاولة لترويع الكونغرس ووقف التداول السلمي للسلطة كانت لحظة غير عادية في تاريخ الولايات المتحدة ودليل على أنّ ترامب غير لائق لمنصبه بل انه يمثل خطراً على الديمقراطية أثناء بقائه فيه وانّ ترامب بنى نجاحه السياسي على الأكاذيب وازدراء المعايير الديمقراطية وإزكاء الانقاسامات والعنصرية، وان تلك الأكاذيب كانت واضحة عندما خاض حملة الانتخابات الرئاسية .

وختمت الصحيفة: لا يمكن الوثوق بوعده في اللحظة الأخيرة وانتقال منظم للسلطة.

وفي الوقت الذي أبدت فيه جميع دول العالم مواقفها مما حدث في الولايات المتحدة لم يصدر اي تعليق لبلد عربي وخاصة الدول المطبعة مع «إسرائيل» والتي بلعت ألسنتها وما عساها ان تقول في غياب راعيها.

لا شكّ انّ ترامب أساء الى نفسه وكتب بخط يده نهاية مستقبله السياسي، ولكن بقيت له أيام قليلة وبيده قيادة القوات المسلحة وباستطاعته أن يضغط على الزناد لضرب ايّ هدف ويُشعل حرباً يتخوّف منها الجميع ثم يقدم السلطة لخلفه على طبق من نار ولو في الساعات الأخيرة ويقول له «دبّر حالك»؟

والمعلوم انّ كبار الموظفين والقادة الكبار في وزارة الدفاع الأميركية لم يظهروا اي تعاون مع إدارة بايدن الجديدة بفعل ولائهم للرئيس المنتهية ولايته؟ وهل باستطاعتهم ان يرفضوا تنفيذ أوامر رئيس على بعد ساعات او ساعة من انتهاء ولايته؟ وهل هناك «دولة عميقة» هي التي تحرك القضايا الكبرى؟

المؤكد انّ من يقتحم الكونغرس ويحاول تعطيل إعلان فوز منافسه بالبلطجة، لا يوثق بكلامه حتى ولو تعهّد بتسليم منظم للسلطة في العشرين من الشهر الحالي، والدعوة الى المصالحة.

والله يعلم ما يضمره الرئيس الأكثر سوءاً في تاريخ أميركا.

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى