أولى

بايدن يؤيّد الإطاحة بفلاديمير بوتين وسنوات عجاف بين الطرفين بانتظار العالم

باريسنضال حمادة

مشروع أميركيّ لتغيير النظام في روسيا بدأ يظهر مع عودة الناشط السياسي أليكسي نافالني إلى موسكو، ويبدو أنّ خطة الغرب في صناعة نافالني من شخص غامض إلى نجم خلال الأشهر الماضية وصلت الى نهايتها وانتقلت الى مرحلة المواجهة والتنفيذ، وذلك مع توقيت وصول المعارض الروسي إلى موسكو على متن طائرة آتية من ألمانيا قبل أيام من وصول إدارة بايدن الى الحكم في واشنطن، وكانت موسكو قد حذرت من أنه سيتمّ احتجازه للاستجواب لكونه على قائمة المطلوبين.

من المقرّر إجراء الانتخابات الرئاسية في روسيا في آذار/ مارس 2024، وسيكون العامان المقبلان حاسمين لسياسة الكرملين. السؤال الكبير هو ما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين سوف يسعى إلى فترة ولاية أخرى مدّتها ست سنوات أم لايترك بوتين الأمر للوقت من دون إعطاء أيّ جواب او إبداء أية إشارة في هذا الأمر في وقت لا تتوقف فيه شعبيته عن الاستمرار في الارتفاع، وهو يمكنه البناء على سجل قويّ من الإنجازات في تعزيز القوة الوطنية الشاملة لروسيا، وقيادة عودة روسيا الى المسرح العالمي وتحسين مكانتها الدولية وضمان التوازن الاستراتيجي العالمي.

شكّل بوتين قارب النجاة لروسيا منذ وصوله إلى الحكم وقد أعادها خصماً قوياً للولايات المتحدة بعد غياب عشر سنوات، ويتوقع المحللون الروس أن يحاول بايدن تحويل المثلث الأميركي ـ الروسي ـ الصيني لصالح واشنطن من خلال إشراك الصين وعزل روسيا.

 في الأساس، من وجهة نظر بايدن العالمية، تعتبر الصين منافساً، لكنها واقعية ومنفتحة على عقد الصفقات، وستظلّ محايدة في المواجهة الأميركية مع روسيا.

وبشكل عام، فإنّ بايدن والمسؤولين الذين يشكلون فريق الأمن القومي الخاص به وغالبيتهم كانوا معه في عهد أوباما متأصّلون في اعتقادهم أنّ حساب السلطة في روسيا هشّ بطبيعته. من هذا المنظور، تصبح عودة نافالني إلى روسيا عملية اختبار لمدى إمكانية حصوله على شعبية أم لا.

من الناحية الدبلوماسية، فإنّ اعتقال نافالني في موسكو أصبح مادة خبريّة في الغرب في وقت تعمل فيه أوروبا على استقلالها الاستراتيجيّ تجاه الولايات المتحدة، وقد رفضت ألمانيا الضغط الأميركي لإفشال مشروع خط أنابيب الغاز ستريم 2. من هنا يبدو أنّ التقارب الألماني الروسي لا يسير وفق رغبة أميركا وبريطانيا، وقد تكون قضية نافالني الذريعة التي يتمّ من خلالها إيقاف التقارب الروسي الألماني.

الاتحاد الأوروبيّ سوف يناقش يوم 25 قضية توقيف نافالني في روسيا.

لطالما قادت وكالة المخابرات المركزية الأميركية السياسة الأميركية تجاه روسيا. وللمرة الأولى، سيترأس الدبلوماسي السابق ويليام بيرنز، وهو من المناهضين لروسيا من ذوي الخبرة، الوكالة داخل إدارة بايدن. وقد انتقد روسيا علناً وكتب «نحن في الأساس نواجه روسيا لاعباً كبيراً جداً في العديد من القضايا المهمة التي لا يمكن تجاهلها. إن اهتمامها بلعب دور القوة العظمى خارج حدودها قد يتسبّبان أحياناً في مشاكل كبيرة».

يتبنّى بيرنز موقفاً متشدّداً من روسيا مع قليل من العقلانية، وننقل هنا ما قاله حرفياً عن العلاقة مع روسيا: إنّ إدارة العلاقات مع روسيا ستكون لعبة طويلة، تلعب ضمن نطاق ضيّق نسبياً من الاحتمالات. إنّ الإبحار في مثل هذا التنافس العظيم يتطلب دبلوماسية دقيقةالمناورة في المنطقة الرمادية بين السلام والحرب؛ إظهار فهم حدود الممكن؛ زيادة النفوذ؛ استكشاف الأرضية المشتركة، حيث يمكننا العثور عليها؛ وندفع إلى الوراء بحزم وثبات حيث لا يمكننايجب أن نسير من خلاله من دون أوهام، وأن ندرك مصالح روسيا وحساسياتها، من دون عذر لقيمنا، وان نكون واثقين من قوتنا الدائمة. يجب ألا نستسلم لبوتينولا نتخلى عن روسيا خلفه.

باختصار، يرى بيرنز العلاقة المضطربة مع روسيا على أنها شيء تجب إدارته بدلاً من تعزيزه أو رعايته، وهو متشائم للغاية بشأن احتمالات التحسين طالما ظلّ بوتين في السلطة. يمكن للمرء أن يتخيّل أنّ بايدن يشارك أيضاً مثل هذا المنظور، وأحد الاعتبارات الرئيسية من بين أمور أخرى في قراره بتعيين بيرنز كرئيس لوكالة المخابرات المركزية هو أنّ الدبلوماسية الأميركية في الفترة المقبلة ستمرّ بمرحلة مضطربة في العلاقة مع روسيا، حيث تكمن المصالح الأميركية في تشجيع تغيير النظام في الكرملين، والذي سيعتمد بالطبع في المقام الأول على مدى نجاح العمليات السرية لوكالة التجسّس في زعزعة استقرار روسيا.

زعم مسؤولون كبار في الكرملين في سبتمبر/ أيلول الماضي أنّ موسكو لديها معلومات محدّدة تفيد بأنّ عملاء وكالة المخابرات المركزية كانوا يعملون مع نافالني في ألمانيا. إذا كان الأمر كذلك، فإنّ نافالني أداة استراتيجية لن تتنازل عنها وكالة المخابرات المركزية بسهولة. لكن كلّ شيء يشير إلى أنّ موسكو تعمل أيضاً على المدى الطويل. وأنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد وبّخ شركاء روسيا الغربيين وحثهم على «التحلي بالأدب واستبعاد أساليب الفظاظة الدبلوماسية

والوفاء بالتزاماتها الدولية في الوضع» المتعلق بنافالني.

من هنا يبدو أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية مستعدة للقيام بخطوة افتتاحية شديدة العدوانية ضدّ روسيا على أمل أن تنجح في عملية استخدام نافالني للإطاحة بفلاديمير بوتين.

انتظروا عودة الانقلابات الأميركية حول العالم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى