مقالات وآراء

الحريريّة تستكمل تدمير لبنان

} د.وفيق إبراهيم

جسّد الراحل رفيق الحريريّ آخر المحاولات لبناء معادلة حكم سياسية لبنانية بمرتكزات سعودية – فرنسية.

لكن أسلوبه الشعبويّ الذي أراد من خلاله بناء إمارة لبنانيّة فيها حكم مطلق تشبه الكويت والامارات وولايات السعودية أي من حيث أتى بعد دهر طويل من العمل الاقتصادي مع الأمراء السعوديين. هذا الأسلوب أصيب بتعثر في لبنان حيث لا إمكانية لحكم مطلق لمصلحة طائفة واحدة بمفردها، وهذا ما تنبه له الرجل وكان شديد الذكاء بإقرار من جميع المتعاملين معه.

لذلك أسس بناء سياسياً بزعامته يحتوي على برية سياسية يديرها الرئيس بري عند الشيعة وأخرى درزية سياسية كان يتولى مقاليد إدارتها وليد جنبلاط.

كما امتد نحو المسيحيين تاركاً لهم شيئاً من التصرف في بعض المواقع غير الأساسية المرتبطة بزعامته حصراً.

فإذا كان الحريري الراحل نجح في الإمساك ببري وجنبلاط السياسيين من خلال استحداث معادلات “تعيينية” وارتزاقية في الإدارة لهم فإنه لم ينجح بذلك مع المسيحيين اللبنانيين الذين ظلوا يحلمون بكامل لبنان عصبية سياسية لهم بموجب آلية حكم جديدة تستبدل صيغة الطائف وانتداب 1920 بمعونة فرنسية أميركية، فالواقع يؤكد ان طرفين دخلا على الصيغ اللبنانية الجديدة وتموضعوا فيها وهما الفرنسيون والأميركيون الذين يريدون التموضع في لبنان واللعب في ولايات سورية لتطويق حزب الله وإنهاك سورية وإضعاف دوريهما في العراق.

هذا هو الجانب السياسي للحريرية السياسية لكنها لم تمتلك جانباً اقتصادياً متطوراً يستطيع التأثير على حياة المواطن اللبناني بالإيجاب، فبقي التعامل على الطريقة السعودية توزيع المال على طريقة الإعاشة وانشاء جمعيات عائلية وغزوها بتوزيع الأموال على طريقة الرشوات.

أما على مستوى السياسة الخارجية فارتبط الشيخ رفيق بفرنسا العميقة من دون أن يعادي سورية او حزب الله، وصولاً الى حدود فتحه لخطوط سياسية مع الأميركيين لم تكن مفيدة له.

لجهة مرحلة ابنه سعد ورؤساء الحكومات السابقين وبعض النافذين السنة، فهؤلاء ابقوا علاقة هادئة مع الفرنسيين مقابل سياسات ولاء عميقة مع الأميركيين، وهذا يعني بوضوح استعداء مكشوفاً لحزب الله ومحاولات اثارة فتن شيعية – سنية على قاعدة العداء لحزب الله. وهذا واضح في السنيورة ورؤساء آخرين وبطل الشاي الطرابلسي الذين التصقوا بالسياسات الأميركية محاولين تطبيقها على اساس مجابهة حزب الله.

وحده الشيخ سعد الحريري اعتبر نفسه الحريري الاول الذي يستطيع أن يعاود إحياء حريرية رفيق بعمق أميركي مخيف وابتدأ على هذا المنوال بتركيب معادلة خارجية أميركية كبيرة اولاً يليها الدور الفرنسي واخيراً السعودي وهذا ما لا ترتضيه الرياض التي ظلت تعتبر نفسها الراعي الاول للبنان.

هنا لم يتمكن ابو بهاء من الخروج من هذه المعادلة، فلم يأبه لها محاولاً الإمساك بمعظم القيادات السنية انما من دون جدوى لأن كل قائد من هؤلاء كان يتحين الفرصة الأميركية للانقضاض على كرسي الحكم.

بذلك يتضح أن الحريرية فشلت سياسياً ولم تتمكّن من بناء عصبية سياسية عميقة تجمع معظم السنة حولها.

وفشلت في الإمساك العميق بوليد جنبلاط الذي يعلن منذ مدة أن سعد الحريري كثير الأخطاء ويحاول التعاون مع لبنان على أساس أنه مجموعة طوائف مستقلة مفضلاً الإمساك بها كمحميات تابعة لآل الحريري.

دولياً لم ينجح سعد في إقناع الأميركيين بأهمياته فظلوا يعتبرونه مرشحاً مقبولاً لرئاسة الحكومة وليس اكثر، أي معادل لتمام سلام والميقاتي.

اقتصادياً تراجع لبنان الى درجات كثيرة التخلف في عصر الحريري فلم يعد الأفضل عملياً كما كان في العصر الماروني ولم يعُد يمتلك الاستشفاء الافضل والنقل الأفضل والكهرباء والماء، كل ذلك انتهى مرة واحدة بآليات حريريّة كانت تراهن على الاستئثار بولاء الطبقات والمتعلمين مقابل الإمساك بولاءاتهم السياسية، وهكذا تمكنت الحريرية السياسية من تدمير لبنان الماروني موديل 1920 مقابل تفجير 1990 -2021.

فهل انتهى سعد الحريري؟

لا شك أنه انتهى حاملاً معه حريريّة الى غير رجعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى