أولى

المقاومة هي نفسها…

 كلود عطية*

المقاومة في زمن الانهيار والحصار، ومن قلب الأزمات والمواجهات تراها هي نفسها تقاتل من أجل البقاء بالعز والشرف وحفظ الكرامات… هي المقاومة نفسها في بلد يحكمه أمراء الطوائف وقادة المحاور القتاليّة المدمّرة للمجتمع والإنسان…

بين العدو «الإسرائيلي» والعدو الدولي، تواجه المقاومة العدو الداخلي، الذي زرع الأرض المحرّرة فساداً واحتكاراً وسرقة وتجارة بأرواح الناس…

هي المقاومة نفسها في لبنان، التي وجدت لنصرة الناس… لا يمكن لها أن تكون بعيدة عن الأزمة وتداعياتها ونتائجها الكارثية التي كادت أن تخرج عن السيطرة المجتمعية.. إلا أنّ التحليل العلمي الذي يفترض ان يلامس الموضوعية في مقاربته للواقع.. يشير الى أنّ المقاومة في قلب المواجهة، لا بل في المقدّمة…

فكلّ المؤشرات تدلّ على أنّ ما يعيشه لبنان اليوم، هو أخطر من الحرب الإرهابيّة ومن الحصار الاقتصاديّ والسياسي والعسكري، فالحرب غير المرئيّة، قد لا يجوز تشبيهها حتى بحرب الشوارع، حيث لا تكون العملية الدفاعية محدّدة وواضحة المعالم.. إلا أنّ الحرب اليوم هي أشبه بالهواء الملوّث الذي لا يمكن رؤيته.. وهو يدخل الجسد فيعمل على تفكيكه ومن ثم قتله.. أما تنقية الهواء فتحتاج الى الجهد والوقت المرتبط بالتحضير لاستراتيجية دفاعية مرئية وغير مرئية، قد تعمل على تغيير وجه لبنان الطائفي والمذهبي والمناطقي الى لبنان المقاومة الإنسانية والأخلاقية والفكرية والعسكرية العابرة لكلّ الحدود…

في الأزمات السياسية والاقتصادية ـ الاجتماعية، للمقاومة استراتيجيتها الخاصة وأهدافها وتطلعاتها، وبالتالي قد تختلف المقاربة العلميّة التحليليّة بين منظومتها الفكرية العقائدية المقاومة… ومنظومتها السياسية المشاركة في إدارة الشأن العام. وبالتالي تبقى العلاقة الأقوى مع المقاومة علاقة الدم والنار والبندقية… وتلك العقيدة التي قدّمت آلاف الشهداء في سبيل هذا المجتمع وشعبه وأرضه وكرامته.

أما في الممارسة السياسية، فالمقاومة لها مؤسّساتها الحزبية واستراتيجيتها في مقاربة الواقع اللبناني بما فيه من أحزاب وتيارات سياسية مختلفة… وبالتالي تبني تحالفاتها وصداقاتها وعلاقاتها بالطريقة التي من المفترض أن تؤسّس لمرحلة استثنائية في تاريخ العمل المقاوم، وهي تشريع وجود المقاومة في فكر كلّ مواطن، وفي كلّ منطقة وكلّ شارع، وفي كلّ طائفة ومذهب، في كلّ المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، في الجامعات والمدارس إلخ…

حيث تثبت لكلّ العالم بأنها عابرة لكلّ الحدود… ولا تفرّق حيث وجدت بين إنسان وإنسان.. وهي وُجدت لتضرب العدو في كلّ مكان وكلّ زمان…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*عميد التنمية الإداريّة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى