أولى

رسالة إباء من سلطان باشا الأطرش…

} شوقي عواضة

«خسارة معركة لا تعني الاستسلام للمحتلين»، بتلك العبارة شدّ سلطان باشا الأطرش عزم مقاتليه بعدما حسم الاحتلال الفرنسي معركة ميسلون لصالحه في مواجهة القائد الشهيد يوسف العظمة عام 1920، مُصرّاً على استمرار المقاومة في وجه الاحتلال حتى يتمّ دحره وإعلان الحكومة العربية، ذلك هو ابن بني معروف المقاوم الذي نذر حياته للمقاومة رافضا كلّ إغراءات المحتلّ الفرنسي الذي عرض عليه رئاسة دويلة في جبل الدروز، فكان ردّه الشهير بدعوته إلى السلاح معلناً الحرب والتصدّي لمشروع التقسيم ومطلقاً ثورته على المستعمر الفرنسي، في تموز/ يوليو 1922 على أثر إلقاء القبض على المجاهد العاملي أدهم خنجر، المتهم بمحاولة اغتيال الجنرال غورو على طريق القنيطرة بمعاونة الشّهيد أحمد مريود. وكان الثّائر العاملي أدهم خنجر قد وصل إلى ساحة القريّا، بلدة سلطان الأطرش، مستجيراً به حيث كان سلطان باشا خارجها، فقاتل وأسر أربعة جنود فرنسيين لتحرير أدهم خنجر من السجن لكن المحتلّ الفرنسي نكث بوعوده رافضاً إطلاق سراح ضيف سلطان المقاومة فكان ردّه على المحتلّ بمهاجمته في تل الحديد وإلحاق خسائر كبيرة في صفوفه. حُكم على سلطان باشا الأطرش بالإعدام فلجأ الى الأردن، وتمّ إعدام المقاوم العاملي أدهم خنجر في بيروت، وشنّ الاحتلال الفرنسي حرباً شعواء على المقاومين ودمّر بيت سلطان الأطرش بالطّائرات، وبعد عجز الاحتلال الفرنسي عن اعتقاله أصدر عفواً عامّاً بحقّه وعاد عودة المنتصر إلى السويداء في 5 نيسان/ إبريل 1923، وسطَ استقبال شعبي حاشد.

وعلى أثر ذلك حاول الفرنسيون إغراءه فقدّم له الضابط الفرنسي كاترو مبلغ ألف ليرة ذهبية تعويضاً عن هدم داره، لكنّه رفضها رفضاً قاطعاً قائلاً لهم «إنّ الدار التي لم تستطع حماية أدهم خنجر لا تستحقّ أن يُعاد بناؤها»، وفعلاً لم يقم بإعمار بيته ذاك. ذلك هو سلطان باشا الأطرش الذي قاتل بشرفٍ ولم يفرّط قيد أنملة بحقوق العرب.

لم يكن سلطان المقاومة مزاجياً ومتقلباً بل كان حليفاً وفياً يقاتل بصدقٍ وشرفٍ ويضحّي بكلّ ما يملك من أجل حليفه العاملي، لم ينقلب عليه يوماً ولم يخذله في أصعب اللّحظات، فكان مقاتلاً شرساً من بني معروف الذين ما غفت عينهم عن ظلم أو محتلّ. أولئك هم بنو معروف والعرب الأقحاح البريئون من ثلّة الخائنين الذين كمنوا لرجال المقاومة في شويا التي وقف أشرافها في وجه الخائنين الذين لا يعرفون من شهامة وعزّ وفخر وشيم بني معروف وسلطان باشا الاطرش حتى المصطلحات، أولئك المتآمرين على المقاومة التي حرّرتهم من عبودية الاحتلال يتباهى بهم أفيخاي أدرعي وقيادات العدو بما جنت أيديهم من جريمة محاصرة مقاومين كانوا يدافعون عن الوطن فلا مسمّى لما حصل في شويا سوى مسمّى الخيانة العظمى. ولا تفسير لجريمة تلك الثلّة من الخائنين سوى أنّهم جندوا أنفسهم خدمة للمحتلّ الاسرائيلي الذي احتلّ لبنان وقتل واعتقل وشرّد ودمّر، ولا مبرّر لما اقترفته أيديهم بحقّ مقاومين يدافعون عن لبنان مهما كان. ما حصل لم يكن خطاْ ولا هفوة بل كان مخططاً عن سابق إصرار وترصد لا سيّما في ظلّ حملة التشويه الإعلامي الشّرسة التي تتعرّض لها المقاومة بتمويل خليجي ودعم أميركي «إسرائيلي» يستهدف قوة لبنان بجيشه ومقاومته، ومن يمتلك الجرأة على التّجسّس وتعقب المقاومة ورجالها لن يوفّر الجيش والأجهزة الأمنية في لبنان من عمليات المراقبة والتجسّس. وما شاهدناه يؤكّد أموراً عدّةً وهي:

1 ـ تحديد الهدف مسبقاً ورصده ودراسته ميدانياً وجمع كافّة المعلومات عنه.

2 ـ توقيت العمليّة ويتمّ بناء على معطيات ومعلومات أمنية آنية تحدّد زمان العملية وهذا العمل يتطلّب جهداً وخبرات أجهزة أمنيّة ومخابراتيّة تمتلك إمكانياتٍ كبيرةً.

3 ـ التّخطيط والمناورة والتنفيذ ومتطلباته وآلياته.

4 ـ عديد العملية وتنقسم مهامه ما بين مراقبة واستطلاع ورصد ومتابعة وذلك يتطلّب مجموعات متخصّصة ومدرّبة على التجسّس والرصد والاستطلاع والأمن والمعلومات ويمتلك خبراتٍ عاليةً في هذا المجال وليس فرداً واحداً مهمّاً بلغت خبرته.

5 ـ تقنيات وآليات التّنسيق والتنفيذ ودقّة العمل تدلّل على وجود رأس مدبّر للعملية ويديرها بإتقان.

6 ـ أهداف العمليّة وجدواها ما الغاية منها ومن تخدم.

7 ـ الفريق الإعلامي والدّعاية الإعلاميّة التي كانت أسرع من البرق في الانتشار تؤكّد على ارتباط مجموعة المنفذين بحملة تشويه المقاومة لا سيّما في ظلّ حملة التشويه المنظمة التي تديرها السّفارة الأميركيّة في بيروت.

وفقاً لما تقدّم فإنّ ما جرى في شويا ليس عملاً بريئاً بل هو مقدّمة لتأسيس جيش من العملاء والخونة في مواجهة المقاومة، وهذا يستدعي فتح تحقيق وإعادة فتح ملف محاكمات العملاء لا سيّما أولئك الذين فرّوا عام 2000 إلى الكيان المحتلّ وما زالوا يعملون ضمن المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة للعدو، بل وينشطون في تجنيد المزيد من شبكات العملاء.

أمّا المقاومة التي لا تزال تتعامل بكلّ روية حرصاً على السّلم الأهلي وصوناً للبنان فهي ليست عاجزةً عن فرض معادلاتها في الداخل كما فرضتها على العدو وجيشه الذي قهر على أيدي رجالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى