مقالات وآراء

لم «يسبق السيف العذل»… ولتتحمّل الحكومة مسؤولياتها تجاه الناس

} علي بدر الدين

أظهرت الأزمة اللبنانية السعودية الخليجية، هزالة الطبقة السياسية الحاكمة، وهشاشة مواقفها، وقلة حيلها، تجاه هذه الأزمة التي يتصاعد خط بيانها إلى التأزم والتعقيد أكثر، ما يؤدي إلى الإنزلاق نحو الأسوأ والأخطر.

إنّ ازمة بهذا الحجم، وغير مسبوقة في تاريخ العلاقات اللبنانية الخليجية، مهما كانت الأسباب والتبريرات الكامنة وراءها وخلفياتها وأهدافها القريبة والبعيدة، تفتقد إلى الحدّ الأدنى من التماسك الداخلي السياسي والرسمي، الذي انعكس سلباً على الشعب اللبناني المنقسم، والمنغمس في الطائفية والمذهبية والمناطقية، حتى أذنيه، كما في كلّ أزمة أو قضية أو حادثة أو حتى مشكلة صغيرة، تحطّ رحالها في هذا البلد المنكوب والمبتلي بطبقته السياسية منذ عقود طويلة، وانتهاجها على «راس السطح «سياسة الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار، التي أنتجت فقراً وتجويعاً وانهياراً اقتصادياً وإفلاساً مالياً وتهجيراً وتقويضاً للدولة ومؤسساتها الإدارية والأمنية والقضائية، في حين أنها «فرّخت» المزيد من الفاسدين والسارقين و»مافيات» السوق السوداء والاحتكاريين الجدد، وفوق ذلك شكلت لهم شبكات أمان، وزنّرتهم بالخطوط الحمر السياسية والطائفية والمذهبية لحمايتهم، ليس حفاظاً عليهم فقط، بل على حصصها من كلّ صفقة أو عملية نهب وفساد واحتكار.

إنّ الأزمة السعودية الخليجية ـ اللبنانية ما كانت لتصل إلى هذه السقوف العالية من الضغوط والشروط والمطالب، لو كان في لبنان دولة قادرة وقوية، وسلطة سياسية حاكمة متماسكة، تتحمّل مسؤوليتها وتغلّب المصلحة الوطنية على مصالحها الخاصة، وشعب يعرف جيداً أين تكمن مصلحته، وكيف يحاسب السلطة السياسية التي تستلشق به وتحرمه من كلّ حقوقه.

ما يحصل في لبنان حالياً، وما يعاني منه اللبنانيون لم يغيّر من نهج هذه السلطة وسلوكها، لأنّ المهمّ عندها، مواصلة إمساكها بالمواقع السلطوية والسيطرة المطلقة والكاملة على مقدرات البلاد والعباد، وعلى أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وتهريبها وخزنها في مصارف الخارج، وإفراغ خزينة الدولة من أموالها، والمصارف الخاصة من أموال المواطنين. يعني أنها تتصرف مع الأزمة الحالية بمنطق تجاري مصلحي وبميزان الربح والخسارة، لذا نلمس بوضوح تردّدها وحيرتها وانعدام الرؤية عندها تجاه هذه الأزمة، والخوف من مقاربتها بحرص ومصلحة وطنيين لتقوية الموقف اللبناني، وتخفيف ما أمكن من الخسائر والتداعيات القائمة والمتوقعة، وهذا ما لم يحصل لأنّ «الطبع غلاب»، والمصالح الخاصة هي من أولوياتها وتقتضي منها «العد» حتى ينقطع النفس، قبل اتخاذ القرار الصحّ، الذي يجنّب لبنان واقتصاده وشعبه انهيارات إضافية، لم تكن واردة أو في «الحسبان».

رئيس حكومة «معاً للإنقاذ» المعلقة جلساتها «على صوص ونقطة» نجيب ميقاتي، حمل الأزمة مع السعودية إلى مؤتمر غلاسكو المناخي، للاستعانة بأصدقاء لبنان الدوليين، أو الذين يدّعون صداقته ودعمه والحرص عليه ومساعدة شعبه، للتدخل ومنع تدحرج كرة تعميق أزماته، ولم يحصد منها سوى الوعود والمواقف السياسية التي لا تقدّم ولا تؤخّر، ولا قيمة فعلية لها أقله لغاية الآن، والرئيس ميقاتي يدرك وهو السياسي العتيق والمحنّك، أنّ هذه الدول تنظر وتتعاطى مع أية أزمة أو قضية خارجية من منظار مصالحها ومع الأقوى، وحجم الفائدة الآنية والمستقبلية التي ستجنيها، فكيف له ان يتخيّل استجابة هذه الدول لإغاثة لبنان والاستعجال بنجدته، وهو بلد آيل للسقوط، وانّ حكامه مرتهنون وتابعون وفاسدون ومستبدون.

لا غرابة إنْ عاد رئيس الحكومة من زيارته الخارجية ومشاركته في المؤتمر المناخي، ولقاءاته رؤساء ومسؤولي الدول الفاعلة، من أجل الطلب من السعودية «مسامحة» لبنان خالي الوفاض، مراهناً على ضمائر من التقى وطلب المساعدة، وعلى مرور الوقت الكفيل وحده بحلّ المشكلة أو نسيانها وطيّ صفحتها.

 وقبل عودته الميمونة إلى أرض الوطن، كانت قد أقفلت خارجياً وتأزمت داخلياً، وانعدمت المخارج والحلول والتسويات والمقايضات لغاية اليوم ولم يكن أمامه سوى توجيه النداء الأخير، إلى ضمير وزير الإعلام جورج قرداحي لتقديم استقالته اليوم قبل الغد، ولكن من دون طائل، وهو يعلم جيداً أن لا عواطف في السياسة ولا مشاعر ولا ضمائر، لأنّ لكلّ قرار أو فعل حساباته وخلفياته وأسبابه وتداعياته.

من العبثية إشغال الشعب، ومواصلة تعليق جلسات الحكومة والشلل الذي يصيب الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وسلطاتها واستمرار الفتك بالمواطنين، من أجل حلّ أزمة معقدة، على مستوى الداخل والخارج، وتحتاج إلى تقاطع المصالح الدولية والإقليمية، وإلى تفاهمات ومقايضات وتسويات تسير ببطء السلحفاة.

إنّ المسؤولية الوطنية تقتضي عودة الحكومة إلى عقد جلساتها، والاهتمام بأوضاع الناس الذين يعيشون في مأساة وكارثية اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وخدماتياً، علها «تنجح»، في فرملة الانهيارات المتتالية، وترفع قليلاً من كابوس الفقر والجوع والبطالة المسلط على رقاب الشعب وبطونهم التي انتفخت مرضاً، في حين تتخم بطون الطبقة السياسية من أكلها لحقوق الناس ورغيفهم.

فهل تتعظ الطبقة السياسية وتراجع حساباتها، وتتفرّغ لخدمة شعبها، قبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، خاصة أنّ لا قرار لها ولا رأي ولا تأثير او فعالية في حلّ الأزمة السعودية ـ اللبنانية ولا غيرها، لأنها بلغت خط تماس وعلى علاقة مباشرة بأزمات المنطقة والإقليم والعالم، بل وجزءاً من لعبة المصالح بتقاطعها وتضاربها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى