الوطن

الأزمة الخليجية تراوح وضغوط جديدة لإذعان لبنان للسعودية زكي يجول على المسؤولين: بداية الحلّ استقالة قرداحي حزب الله: البلد لا تتمّ حمايته وحلّ مشكلاته بالشحاذة

راوحت الأزمة اللبنانية الخليجية مكانها، في ظلّ انعدام المبادرات الجدّية لحلحلتها وفي المقابل، مواصلة الضغوط على لبنان للإذعان لمطالب السعودية التي تجاوزت تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي عن الحرب على اليمن، إلى ما هو أخطر وأبعد ضمن أجندة خفية قد تتضمّن دفع لبنان إلى السير في ركب التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين المحتلة والذي يتّسع إطاره في بعض الدول الخليجية.

 وما يدلّ إلى هذا التوجه هو تفجير الرياض والعواصم الخليجية التي تبعتها، الأزمة مع لبنان بشكل مفاجئ، جاء بالتزامن مع زيارة وفد أميركي «إسرائيلي» إلى السعودية ولقائه العائلة الحاكمة، في إطار التمهيد لتقبّل المجتمع السعودي للتطبيع مع مغتصب فلسطين والمسجد الأقصى. وترافق هذا الأمر مع ترويج وسائل إعلامية لبنانية مموّلة خليجياً، لفكرة التطبيع واحترام أصحاب هذا التوجّه. إضافةً إلى تركيز التحرّك، تحت شعار المبادرات، على لبنان واستغلال أزمته الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة لابتزازه، من دون أي تواصل مهمّ لـ«السعاة» باتجاه الدول الخليجية التي افتعلت الأزمة من دون خطأ جدّي ومقنع من الجانب اللبناني، وإن استلحقت السعودية موقفها من قرداحي، بالزعم أن حزب الله يهيمن على الدولة اللبنانية، الأمر الذي نفاه أكثر من مسؤول لبناني.

 وفي ظلّ رفض السعودية مقابلة أي مسؤول لبناني قبل الإذعان لإملاءاتها وأبرزها مواجهة حزب الله وإقصاؤه عن السلطة، أبلغ  رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، الذي يزور بيروت، أن  «معالجة ما حدث أخيراً، يجب أن يكون من خلال حوار صادق بين البلدين» مشدّداً على أن «لبنان لن يتردّد في اتخاذ أي موقف يساعد في تهيئة الأجواء لمصارحة تأخذ في الاعتبار السيادة الوطنية والحرص المتبادل على مأسسة العلاقات». فيما عكست تصريحات زكي، تحميل عبء حلّ الأزمة على كاهل لبنان من خلال خطوات معيّنة غامزاً من قناة استقالة قرداحي كبداية، واعتبر «أن المسألة ليست بسيطة وأبعد من توصيف وزير لما يحصل في اليمن».

وفي المقابل، أكد حزب الله «أن مصير لبنان لا يُمكن أن يُعلّق بقرار جهة خارجية» مشدداً على أن «البلد لا يُدار ولا تتم حمايته وحل مشكلاته المالية والاقتصادية بهذه الطريقة، وبالتالي يجب أن لا يقبل أي منّا أن نضع لبنان كمتسوّل أي شحّاذ». وأعلن رفضه طلباً للضغط على قرداحي لتقديم استقالته من الحكومة.

جولة زكي

وكان زكي قد زار قصر بعبدا، حيث التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أكد أنّ « لبنان حريص على أفضل العلاقات مع الدول العربية ولا سيما السعودية ودول الخليج». ودعا  إلى «الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية وما يصدر عن أفراد أو جماعات خصوصاً إذا ما كانوا خارج مواقع المسؤولية».

ورحّب عون بأي مسعى للجامعة العربية «لإعادة العلاقات الأخوية مع السعودية»، معتبراً أن  «معالجة ما حدث أخيراً، يجب أن يكون من خلال حوار صادق بين البلدين» وشدّد على أن «لبنان لن يتردّد في اتخاذ أي موقف يساعد في تهيئة الأجواء لمصارحة تأخذ في الاعتبار السيادة الوطنية والحرص المتبادل على مأسسة العلاقات».

بدوره قال زكي بعد اللقاء أنه جاء للاطلاع على الموقف اللبناني أولاً، بهدف بذل جهد لتقريب وجهات النظر وحل الإشكال مع السعودية، مشدداً على أن «المصلحة اللبنانية والخليجية، هي هدف جامعة الدول العربية وسبيلنا للتوصل إلى مخرج لهذا الوضع».

وأكد أن «الحوار مع الرئيس عون كان صريحاً كالعادة» كشف أنه «إذا احتاج الأمر زيارة إلى السعودية، فإنه سيقوم بذلك».

وزار زكي مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة، حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه برّي وقال بعد اللقاء «اللقاء مع رئيس مجلس النواب  كان ودياً وصريحاً والهدف من زيارة بيروت ليس طرح حلّ لأزمة لبنان مع الخليج والتعامل مع هذا الأمر يجب أن يكون دقيقاً. سنقوّم الموقف عقب العودة إلى القاهرة وسنقرّر حينها الخطوة القادمة في سبيل حلّ الأزمة الدبلوماسية».

وقال «في ما خصّ الأزمة الراهنة لم يكن هناك أيّ رسائل، وانعقاد الجلسات الحكومية مُعطّل لأسباب يعرفها الجميع وهناك علامة استفهام على حلحلة هذا التعطيل وتركيزي اليوم هو على أزمة العلاقة مع دول الخليج».

وتابع «موضوع استقالة الوزير قرداحي مطروح نوعاً ما والرئيس عون حريص على العلاقة مع السعودية وهو يعوّل على الحسّ الوطني للوزير قرداحي»

كذلك زار زكي على رأس وفد السرايا الكبيرة، حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أكد  في خلال اللقاء أن «لبنان حريص على عودة علاقاته الطبيعية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وسيبذل كل جهد ممكن لإزالة ما يشوب هذه العلاقات من ثغرات ومعالجة التباينات الحاصلة بروح الأخوّة والتعاون».  وأبلغ ميقاتي زكي، أن  «الجامعة العربية يمكنها القيام بدور أساسي في هذا المجال، ونحن نشدّد على إضطلاعها بمهمة تقريب وجهات النظر وإزالة الخلافات والتباينات حيثما وُجدت».

 وجدّد «التزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية تجاه الأزمة اليمنية، المنطلقة من قرار مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية ومبدأ الحوار بين  الأطراف المعنية».

أمّا زكي فقال بعد اللقاء أنه استمع من رئيس الحكومة «موقفاً مهماً وفي غاية الإيجابية عن العلاقة بين لبنان والملكة العربية السعودية التي يحرص عليها هو كثيراً كشخص وكمسؤول لبناني ورئيس حكومة لبنانية، ولقد عكس لي أيضاً مدى الحرص الموجود في هذا البلد على إقامة علاقات صحية وجيدة وإيجابية مع جميع الأشقاء العرب والمحيط العربي للبنان، وبالتأكيد في مقدمة ذلك المملكة العربية السعودية».

أضاف «كان الحوار جيداً جداً ووضعت الرئيس ميقاتي في صورة الفكرة التي تجمّعت لدى الأمين العام بالتواصل مع الإخوة في لبنان للتعرّف على ما يُمكن أن يكون لديهم في هذا الموضوع لنتجاوز هذه الأزمة ونستطيع التوصّل إلى مخرج يناسب الجميع، ويصل بنا إلى برّ الأمان في شكل من أشكال التوازن بين تحقيق المصلحة  اللبنانية والمصلحة السعودية والخليجية عموماً».

وأعرب عن اعتقاده بـ»أن الجهد الذي نبذله يمكن أن يتجه في اتجاه إيجابي، ونأمل  في أن تكون نقطة البداية من هنا، فنتجاوز هذه الأزمة ونعبرها من أجل حوار أكثرعمقاً وجدية في مسار العلاقة اللبنانية الخليجية عموماً».

وأعلن أن الحوار مع السعودية قائم دائماً و»كان هناك حوار قبل هذه الزيارة على مستوى الأمين العام ووجدنا، مثلما قال أحد الأصدقاء «ثقباً» في الباب نحاول أن نمرّ منه، فلا بأس، نحاول أن نمرّ منه، إن شاء الله نستطيع تجاوز هذه الأزمة».

 والتقى زكي أيضاً، وزير الخارجية والمغتربين  عبدالله بو حبيب وقال «الحوار مع  الوزير بو حبيب كان  جادّاً وصريحاً ووضعته في تصور الأمين العام للجامعة في هذا الموضوع وما فهمناه من خلال الاتصال مع الجانب السعودي، واعتقد أن المسألة بالنسبة إلى متابعيها واضحة جداً، ما يجب القيام به من أجل البدء في معالجة الأزمة الراهنة هو واضح ويجب علينا جميعاً أن نستمر في العمل الجاد (…) لكن طبعاً هذا الأمر  يحتاج إلى عمل وجهد نأمل في أن يؤمّنه الجميع ويسعى إلى تحقيقه».

ورداً  على سؤال، «الحديث عن أن المسألة بسيطة،  كلا هي ليست كذلك، المسألة هي أبعد وأهم من أن تعامل بشكل فيه استخفاف. الوضع كله يحتاج إلى استمرار الجهود ونأمل أن تذهب الأمور في الاتجاه السليم».

بدوره، اعتبر بو حبيب أن «دور الجامعة العربية مقدّس ونقدّره كثيراً في لبنان لأنها صلة الوصل بين الدول العربية ونحن نتمسك بالجامعة ومساعدتها من أجل القيام بأي مسعى بين أي دولتين عربيتين».

فضل الله: لا نسمح بإذلال البلد

وفي موازاة ذلك، أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله «أن مصير لبنان لا يُمكن أن يُعلّق بقرار جهة خارجية، وهذا يجب ألاّ نقبله ونحن كجهة لا نقبل بهذه الإملاءات، ولا يُمكن أن نجعل بلدنا مكسر عصا، ولا أن نسمح بإذلال البلد»، مشدداً على أن «البلد لا يُدار ولا تتم حمايته وحلّ مشكلاته المالية والاقتصادية بهذه الطريقة، وبالتالي يجب ألاّ يقبل أي منّا أن نضع لبنان كمتسول أي شحّاذ. وللأسف، فمن تقوم حياته على الشحاذة، يريد أن يعيش البلد كله على الشحاذة ويريدون أن يشحذوا من هنا وهناك لأنه ليس لديهم نية ببناء اقتصاد ولا بإصلاحه وإنما يريدون أن ينتظروا المنّة والمساعدة الخارجية ليضعوا جزءاً منها في جيوبهم».

 وكشف عن اتصالات تمّت مع حزب الله من الحكومة وخارجها للطلب من وزير الإعلام الاستقالة بعنوان «بادرة حسن نية تجاه السعودية»، وقال «كنّا صريحين معهم وقلنا لهم بأن لا يطلب أحد منّا أن نمارس ضغطاً على هذا الوزير أو ذاك ليستقيل، فهذا أمر غير مقبول ومعيب بحقّ البلد بأن يقدّم البعض أضحية حتى من دون معرفة النتيجة. وكان جوابنا أيضاً بأنه لماذا نريد أن نتحدث معه بهذا الأمر، فنحن نرفض مجرد الطلب بأن نتدخل بهذا الأمر، ونعتبر أن هناك إساءة للبلد حينما تكون المعالجة هي الضغط لإقناع الوزير قرداحي بالاستقالة، لأن هذا الأمر سيكرّس سابقة بأنه ممنوع على أحد أن يتحدث وإذا أدلى بتصريح ما، فهو مهدّد بالإقالة».

 وأوضح أن «البعض كان يفكّر أنه يُمكن أن يعقد جلسة لمجلس الوزراء لإقالة الوزير قرداحي، وكان جوابنا أن هذا الموضوع غير مطروح على جدول أعمالنا وكل الذين تحدّثوا معنا قلنا لهم بأن ما تقومون به خطأ ولا يمكن أن تُعالج هذه القضية بهذه الطريقة، وبالتالي عليهم أن يعالجوها بطريقة أخرى من دون المسّ بالثوابت الوطنية وهذا موقف أبلغناه للمعنيين».

 وأكد «أننا لا نطلب من الحكومة ألاّ تقوم بعلاقات جيدة مع الدول الأخرى، فإذا أرادوا أن يصلحوا العلاقات مع أي بلد فلا مانع من ذلك ولكن ليس على حساب كرامة البلد ولا من خلال فرض استقالة على أي وزير أو موظف في الدولة اللبنانية، فنحن جميعاً نقرّر ماذا نريد أن نفعل في لبنان وما هي مصلحة لبنان ومن يريد أن يُصلح علاقاته ويحسّنها فلا مانع من ذلك، وحتى مع أميركا وبالرغم من عداوتها لنا، فإننا لم نفرض، يوماً، على الحكومة اللبنانية أن تقطع علاقتها بها، وكل ما طلبناه هو أن يحفظوا كرامتهم أمام السفيرة الأميركية وألاّ يتركوها تصول وتجول وكأنها هي الآمر والناهي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى