اقتصاد

القروض المصرفية حدودها ومسؤولية المصرف عند تجاوز هذه الحدود؟

} أحمد قاسم

القرض هو عملية مالية يضع من خلالها المقرض مبلغاً مالياً تحت تصرف المقترض بموجب عقد يتضمّن المدة والفائدة والضمانات وطريقة التسديد، وهو يتمّ بموجب عقد بين المصرف وأحد عملائه بمقتضاه يسلم الطرف الأول الى الثاني نقوداً على ان يلتزم المقترض بردّها في الوقت المحدّد مع الفائدة المتفق عليها.

لكن هل التسليف أيّ اعطاء القروض من قبل المصرف يتمّ دون حدود؟
الجواب بالطبع لا !

لماذا؟ لأنّ الإفراط في منح القروض وخاصة قروض التجزئة (القروض السكنية ـ القروض الاستهلاكية ـ قروض السيارات ـ قروض التعليم ـ قروض التجميل ـ بطاقات الائتمان) تحت الضغط الإعلامي والإغراءات المقدمة من المصارف للعملاء وخاصة ما حصل قبل “ثورة” 17 تشرين الأول 2019، والعشوائية التي مُنحت فيها الكثير من التسليفات والتي خالفت الأنظمة والقوانين الصادرة عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وذلك بسبب السيولة العالية التي كانت تتمتع بها المصارف وسعيها الى توظيفها في القروض القصيرة الأجل والكثيرة الربح، وهي قروض في الغالب استهلاكية لا تعزز النمو في الاقتصاد، وكلّ ذلك من أجل زيادة أرباحها فقط.

بتاريخ 2/1/2015 صدر عن لجنة الرقابة على المصارف التعميم رقم 280 الذي أوجب على المصارف عدم تجاوز التسديدات الشهرية للمقترض نسبة 35% من دخل العائلة وفي مطلق الأحوال نسبة 45% في حال وجود قرض سكني. والهدف من ذلك بالطبع المحافظة على المقترض وذلك بمنع المصارف من تجاوز النسب المشار إليها لكي تضمن له ولعائلته حياة حرة وكريمة بحيث إذا أطلق العنان للمصارف سوف لن تلتفت لهذا الأمر وستمعن في التسليف بغية تحقيق الأرباح، مع العلم انّ الأصل في التسليف هو تنمية المجتمع وليس تدميره عبر التسليفات العشوائية.

هذا القرار جاء استكمالاً للقرار الأساسي الصادر عن مصرف لبنان رقم 10439 تاريخ 27/5/2010 والذي يهدف الى حماية المقترض وهو يتعلق بشفافية وشروط التسليف، حيث أوجب الإعلان عن قروض التجزئة وتكلفتها بشكل واضح وشفاف حتى لا يتعرّض المقترض للتضليل، وأشار إلى أنّ أيّ إشارة في الإعلان المباشر أو غير المباشر الصادر عن المصرف عن نسب متغيّرة في الفوائد يجب الإشارة اليها كذلك في متن العقد. كذلك حظر على المصارف استعمال مصطلح دون فائدة او فائدة صفر إلا عندما يكون مجموع ما سوف يسدّده فعلياً لا يتجاوز القيمة التي اقترضها أصلاً، وكذلك عدم استعمال عبارة لا دفعات مقدمة او دون دفعة أولى أو ما شابه ذلك في حال عدم توجّب اية دفعة أولى مسبقة او عربون مقدّم، وكذلك عدم استخدام عبارة قرض أكيد او دون موافقة مسبقة إلا إذا كان التسليف لا يوجب اي شرط للحصول عليه، او عبارة “قسّط على راحتك” إذا كان المصرف يفرض تسديد دفعات شهرية.

واستكمالاً لهذا التعميم صدر التعميم رقم 273 لجنة الرقابة على المصارف بتاريخ 10/11/2012 وحدد ثلاثة شروط للإعلان المباشر او غير المباشر:

1 ـ يجب ان يكون الإعلان شاملاً، فمن جهة أولى يجب ان لا تكون خصائصه معروضة بشكل مجتزأ بحيث يتضمّن على الأقلّ قيمة التسليف، ومدة التسليف وعدد الأقساط وقيمة القسط الواحد والإشارة الى نسبة الفائدة ونوعها فيما اذا كانت ثابتة او متحركة، ومن جهة ثانية في حال كان الإعلان لأكثر من منتج واحد يجب توضيح مواصفات كلّ منها بشكل يسمح للعميل التمييز بينها بسهولة، ومن جهة ثالثة، يجب ان تتمّ الإشارة الى مدة صلاحية المعلومة الواردة في الإعلان واذا كانت معرّضة للتعديل بفعل مرور الزمن والإيضاح انّ الصيغة النهائية لهذه المعلومة تحدّد عند توقيع العقد، ومن جهة أخيرة، يجب ان يُذكر في الإعلان وبشكل واضح ما إذا كان التسليف موضوع الإعلان يتطلب توفير تأمين أو ضمانة أو كفالة بغية الاستفادة منه.

2 ـ يجب ان يكون الإعلان واضحاً، ايّ يجب ان يكون مصمّماً ومعروضاً بشكل واضح وان يكون دقيقاً وخالياً من الالتباس او تكون التحذيرات المتعلقة بالمنتج معروضة بشكل واضح، على سبيل المثال إذا كان الإعلان مطبوعاً ينبغي عدم طبعه بأحرف صغيرة لعرض هذه التحذيرات، كذلك يجب ان لا يكون مصمّماً بشكل يحجب التحذيرات وان تكون المعلومات المعروضة عن المنتج معروضة بشكل متكامل في النص الأساسي.

3 ـ يجب ان يكون الإعلان غير مضلل، ايّ يجب ان يكون مفهوماً وان لا يتضمّن معطيات او حيثيات لا تنطبق بحيث تكون جميع مواد الإعلان حقيقية تنسجم مع جميع المعطيات التي يتضمّنها نموذج العرض التطبيقي الذي تعرضه المؤسسة على العميل.

استناداً الى ما ذكر أعلاه فالنصوص القانونية واضحة لجهة مسؤولية المصرف في حال أخلّ بالموجبات المفروضة عليه وضلل المقترض وتجاوز النسب المُشار اليها في التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف خصوصاً عدم تجاوز التسديدات الشهرية نسبة 35% من دخل العائلة في كافة المصارف ولا يحقّ للمصرف التذرّع بعدم معرفته بوجود دين آخر لدى مصرف آخر لأنه بمقتضى الاستعلام من مركزية المخاطر في مصرف لبنان يستطيع الحصول على كافة المعلومات المتعلقة بالديون الأخرى ان وجدت وقيمة التسديدات الشهرية. وفي حادثة وقعت سنة 1994 في فرنسا حيث أخذت الغرفة المدنية بمسؤولية المصرف عن قرض ممنوح لأحد عملائه، حيث تشير وقائع الحكم الى واقعة استثنائية بالنسبة لتصرف المصرف الذي قام بمنح مزارع قرضاً من أجل الحصول على جرار زراعي ليس بحاجة اليه على اعتبار انه يملك واحداً صالحاً للاستعمال، حيث انّ القرض الذي مُنح للمزارع تجاوز أرباحه وسبّب له أزمة، واعتبرت المحكمة المدنية أنّ تصرف المصرف هو تصرف طائش ويستحق اللوم، وهذا الخطأ أدّى الى ضرر يتمثل بصعوبة سداد القرض. ولم تقف المحكمة المدنية عند هذا الحدّ بل ذهبت الى إيجاد واجب النصيحة الذي يقع على عاتق المصرف تجاه المقترض لا سيما عندما يتضح لهذا المهني (المصرف) انّ أعباء القرض تكون مرهقة مقارنة بالمصادر المتواضعة للمستهلك.

وفي الختام، لا بدّ من لفت الانتباه إلى انه في حال كانت التسديدات الشهرية مرهقة وتتجاوز النسب المشار اليها في التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، يستطيع المقترض التقدم من تلك المصارف وطلب إعادة جدولتها لتتناسب مع هذه النسب، وفي حال رفض المصرف ذلك يمكن اللجوء الى القضاء لإحقاق الحق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى