مقالات وآراء

أبو مهدي… مهندس الانتصارات

ـ ساهم في إنشاء «الحشد الشعبي» و»كتائب حزب الله» و»عصائب أهل الحق» ـ انتُخب نائباً في البرلمان وكان على «لائحة الإرهاب» الأميركية ـ طلب من سليماني عدم القدوم إلى بغداد لكن الثاني أصرّ وكانت الغارة الغادرة

} حسين حمّود

صباح يوم الجمعة في 3 كانون الثاني 2020، اغتالت قوات الاحتلال الأميركي نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في مطار بغداد الدولي، لدى استقباله رفيقه في النضال قائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني، الذي كان في عداد المستهدفين الرئيسيين بالغارة الغادرة.

رفقة السلاح ومقاومة الاحتلال الأميركي وحلفائه ومتفرعاته من دول وتنظيمات إرهابية، للمنطقة، جمعت القائدين في خندق واحد أثناء نضالهما في حياتهما، وفي نعشين متجاورين عندما انضمّا معاً إلى قافلة الشهداء الطويلة للمعسكر الرافض لعودة التكتل الاستعماري حاملاً مشروعه التقسيمي لكيانات المنطقة وفق خرائط دموية، أعدّها منذ عشرات السنين.

باكراً وعى المهندس ما جرى ويجري في العراق ومحيطه، فسار على الدرب الذي رسم مصيره منذ شبابه حتى لحظة استشهاده. فقد انضمّ في بداية مشواره النضالي إلى «حزب الدعوة الإسلامية» وهو في مرحلة الدراسة الثانوية. وإبّان حكم الرئيس صدام حسين للعراق تعرّض الحزب للكثير من التضييق والاعتقالات في صفوفه في موازاة حملة الإعدامات الواسعة التي شهدها العراق في تلك المرحلة وكان أبرز ضحاياها المرجع محمد باقر الصدر وهو من مؤسّسي حزب الدعوة.

في تلك المرحلة، بدأ المهندس مشواره العسكري فكان قائداً ميدانياً، يذهب إلى الأهوار ويبقى مع المقاتلين لتنفيذ عمليات ضدّ النظام، وهناك تدرّج في المناصب العسكرية حتى أصبح رئيس أركان حركة «بدر» واستطاع من خلال علاقته بالقيادة الإيرانية، أن يساعد في تقوية الحركة حتى أصبحت فيلقاً درّبه وأمّن له التجهيزات والترتيبات.

وبعد ملاحقته الكثيفة من قبل النظام، غادر العراق إلى الكويت التي عاش فيها سنوات عدّة مارس خلالها نشاطاً سياسياً معارضاً للولايات المتحدة والغرب ثم غادر الكويت إلى إيران قبل عودته إلى العراق.

وبعد اجتياح مسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تولّى المهندس جمع فصائل مسلحة عدّة إثر إصدار رئيس الحكومة العراقية آنذاك، نوري المالكي، أوامره بتشكيل هيئة الحشد الشعبي، لمواجهة التنظيمات الإرهابية في بغداد وجوارها. ومنذ تشكيل الهيئة تولى المهندس منصب نائب هذه القوة العسكرية التي أعلنت لاحقاً كهيئة رسمة ضمن قوات الجيش العراقي المختلفة وتحت قيادة القائد العام.

وكان المهندس ذا كلمة مسموعة داخل الهيئة التي يقودها رسمياً فالح الفياض. ودأب على الحضور كقائد ميداني لساحات المعارك التي قادها «الحشد» على الأرض، وساعد في تطويره عسكرياً مسجلاً عمليات نوعية ضدّ المجموعات الإرهابية وقوات الاحتلال الأميركي وأجبرهما على الانسحاب من مناطق عراقية عدّة كانت تحت سيطرتهما حتى بات المهندس أحد الأهداف الرئيسية للأميركيين. كما ساهم لاحقاً في تأسيس الفصيلين المقاومين «كتائب حزب الله» و»عصائب أهل الحق» وهو كان على تواصل مع جميع الأفرقاء، وبينهم التيار الصدري. وفي مرحلة الحصار الأميركي للنجف، كان له دور بارز، فأدخل بالرغم، من كثافة الحضور العسكري للقوات الأميركية وحواجزها، السيارات المحمّلة بالسلاح والذخائر والعتاد إلى المدينة. وكذلك، في الحرب الأميركية ضدّ مدينة الصدر، كان له دور مؤثّر في مساعدة المقاومين.

 وبالرغم من نزعته العسكرية في النضال، انخرط المهندس في العمل السياسي والتشريعي البرلماني، إثر عودته إلى العراق عام 2003، حيث ترشّح لانتخابات مجلس النواب العراقي عن قائمة حزب «الدعوة» برئاسة المالكي، علماً بأنه كان على لائحة الإرهاب الأميركية. ولذلك، أثناء ذهابه إلى العراق، كان يتخفّى من المحتلين، ويأتي إلى مجلس النواب بين حين وآخر ليزعج الأميركيين. ومع ذلك، كانت له آثار واضحة في العمل السياسي، حيث عمل في مجلس النواب على قانون الانتخاب والدستور والحكومة ورئاستها والمجلس الوطني. كما كانت له مساهمة كبيرة في قوقنة «الحشد الشعبي»، من خلال تواصله مع أغلب النواب والكتل السياسية وحثّهم على المشاركة في الجلسة. كما كانت له علاقات وثيقة مع مختلف الأطياف العراقية.

وقبل الانسحاب الأميركي الجزئي من العراق، كان الغضب كبيراً على المهندس، إذ وصلت العمليات العسكرية ضد المحتلين إلى ذروتها وتكبّد الأميركيون فيها خسائر قاسية فوجّهوا إليه تهديداً علنياً واضحاً بأنه في دائرة التصفية. منذ تلك المرحلة، نظر الأميركيون إلى المهندس على أنه الرقم الثاني في العراق بعد اللواء قاسم سليماني.

أما عن علاقته بالشهيد سليماني فكان يقول «أنا جندي الحاج قاسم… وأفتخر». وفي آخر اتصال بينهما قبل أيام قليلة من استشهادهما معاً، طلب المهندس من سليماني عدم القدوم إلى بغداد لعلمه بأن الوضع الأمني غير مناسب، أصرّ الثاني على الحضور، طالباً من المهندس عدم المجيء إلى المطار، لكنه حضر كما اعتاد منذ تعارفهما، إلى المطار ومن هناك تابعا طريقهما يداً بيد… إلى الشهادة لكن دماءهما تحوّلت إلى نهر هادر لن يهدأ قبل مغادرة آخر جندي أميركي المنطقة، وقد بدأت الساعة الصفر قبل تشييع الشهيدين، قبل عامين في إيران والعراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى