أولى

هل من رابط بين المبادرة العربيّة والانتخابات النيابيّة في لبنان؟

 العميد د. أمين محمد حطيط*

بعد حصار وقطيعة لا تزال مستمرة منذ سنتين ونصف السنة، وبعد أن نفذت خطة بومبيو وزير خارجية أميركا السابق، في مراحلها الثلاث الأولى وحققت الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، جاء وزير خارجية الكويت الى لبنان حاملاً ما أسمي مبادرة عربية تضمّنت بين ١٠ إلى ١٢ بنداً وفيها الفضفاض من الكلام حول الإصلاحات ومحاربة الفساد الى ما هنالك من عبارات رنانة، أما حقيقتها وجوهرها فإنه قائم في البند الخامس منها والمتضمّن التأكيد على القرارات الدولية المتعلقة بلبنان خاصة ١٥٥٩ و١٦٨٠ و١٧٠١، والتي تتضمّن نصوصاً تتعلق بحلّ الميليشيات المسلحة وحصر السلاح في لبنان بيد الجيش اللبناني وترسيم الحدود مع سورية وضبطها.

وعليه، فإنّ من يراجع المبادرة المسمّاة عربية والأصحّ أن تسمّى خليجية او سعودية بدعم خليجي وأميركي، فإنه يصل ومن غير عناء ومن غير أن يهدر وقتاً في مناقشة بنودها ومضمونها، يصل الى خلاصة مفادها انّ الطلب الخليجي الرئيسي من لبنان هو حلّ المقاومة ونزع سلاحها مقابل وعد بمراجعة الدول الخليجيّة لعلاقاتها معه، وصولاً الى فكّ الحصار ووقف القطيعة. هذا إذا تيقنت تلك الدول وفقاً لتقديرها انّ لبنان نفذ الشرط الأساس مع بقية الشروط الفضفاضة التي تضمّنتها المبادرة ووفقاً لما يرضي أصحابها. أما إنْ لم يفعل فيكون عليه أن يترقب مزيداً من الحصار والضغوط حيث لم يتورّع الساعي الكويتي وزير الخارجية الذي حمل المبادرة عن التلويح أو حتى التهديد المبطن وهو حدّد مهلة أسبوع فقط للإجابة ووجّه قوله لأحد المسؤولين اللبنانيين بعد أن طرح الشروط عليه «هذه فرصتكم الأخيرة، اغتنموها وإلا سيكون بعدها الانهيار والدمار الشامل»، فهل لبنان بصدد قبول ما تريده السعوديّة؟ وهل هو قادر على ذلك؟

في الإجابة هنا نعود الى أصل الموضوع. فالمقاومة في لبنان لم تنشأ من ترف سياسي او عسكري او ميداني، بل الذي ألجأ اليها عجز الدولة اللبنانية عن حماية حدودها بنفسها وعبر جيشها ما جعل «إسرائيل» تحتلّ لبنان الى نصفه في العام ١٩٨٢ ومكّنها من فرض اتفاق ١٧ أيار ١٩٨٣ الذي أعطاها الحق بالعمل في جنوب لبنان عسكرياً دون مراجعة أحد، أيّ انه وضع الجنوب منهك السيادة تحت الاحتلال «الإسرائيلي» المشرّع باتفاق. ولم يكن عجز الجيش على المواجهة لعلة في الجيش والذي فيه أرقى المؤهلات والكفاءات البشرية، بل كان لعلة القرار الرسمي الذي لم يوفر للجيش احتياجاته من المنظومات النارية للدفاع جواً وبراً وبحراً، كما لعلة القرار الغربي الذي أقفل بوجه الجيش سوق الأسلحة المناسبة للدفاع عن لبنان بوجه «إسرائيل».

 ولهذا نشأت المقاومة لتسدّ فراغاً تسبّبت به الدولة والخارج، وكان هدف هذه المقاومة تحرير الأرض وحماية السيادة وقد نجحت في ذلك فحرّرت معظم المحتلّ منها إلا مناطق معينة لا تزال تحت الاحتلال «الإسرائيلي» في مزارع شبعا وغيرها، ثم أنّ المقاومة طوّرت قدراتها وأرست في مواجهة «إسرائيل» معادلة الردع الاستراتيجي المتبادل الذي حمى لبنان وقيّد يد «إسرائيل» في العدوان عليه. ولم يتوقف دور المقاومة والحاجة اليها هنا بل امتدّ شرقاً فواجهت القوى الإرهابية التكفيرية التي خططت لإسقاط لبنان وإلحاقه بـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش» التي أنشئت وأديرت بقرار أميركا للسيطرة على بلاد الشام خاصة العراق وسورية، ولا تزال الحاجة الى المقاومة قائمة للدفاع عن لبنان ومصالحه.

لفد شنّت «إسرائيل» في العام ٢٠٠٦ الحرب على لبنان تحت عنوان تفكيك المقاومة ونزع سلاحها وفشلت. وحاولت حكومة السنيورة الموجّه أميركياً في العام ٢٠٠٨ نزع سلاح المقاوم بطريقة القضم سلاحاً بعد سلاح وبدأت بسلاح الإشارة عصب المقاومة وفشلت. وقادت أميركا الحرب الكونية على سورية من أجل تفكيك محور المقاومة المشكل منها ومن إيران وحزب الله اللبناني وقوى مقاومة فلسطينية وفشلت رغم كلّ ما نفّذ على أرض سورية من جرائم وقتل ودمار. ووضع بومبيو في العام ٢٠١٩ خطة تدمير لبنان وإسقاطه ليدمّر المقاومة ويُسقطها من المشهد اللبناني وفشل رغم وحشية ما تعرّض له الشعب اللبناني ودفع لبنان الى الفراغ السياسي والانهيار المالي والنقدي والاقتصادي. لقد فشل كلّ هؤلاء وخابت كلّ تلك المحاولات من النيل من المقاومة. والآن يأتيك مَن يطبّع مع العدو «الإسرائيلي» ويعمل في خدمته وخدمة أميركا ويقوم بعدوان وحشي على اليمن ويرتكب المجازر فيه، يأتيك مطالباً بتفكيك ما بات يشكل حاجة لبنانية دفاعية استراتيجية ارتقت في مستواها الكياني الوجودي من حاجة لبنانية تدعمها دول في الإقليم الى مكوّن عضوي إقليمي في محور بات يشكل مجموعة استراتيجية أساسية هي محور المقاومة الذي تنتظم فيه سورية وإيران ويتشارك منفتحاً على مجموعة استراتيجية دولية تتشكل من الصين وروسيا وإيران للتصدي للهيمنة الأميركية على العالم.

على ضوء ما تقدّم نرى أنه من الخفة بمكان طرح موضوع سلاح المقاومة بهذا الشكل، خاصة أنه يطرح في زمن وتوقيت يعاني فيه التحالف الخليجي الذي يحمله، يعاني من أوضاع ذاتية سيئة متأتية عن هزيمته في اليمن أمام أنصار الله الحوثيين المؤيّدين من محور المقاومة. فهل غاب كلّ ذلك عن ذهن أصحاب المبادرة؟

 لا نعتقد بأنّ أصحاب المبادرة أو من يقودهم ويوجههم من أميركا و»إسرائيل» لا يعلمون حقيقة واقع المقاومة اليوم ولا نعتقد أنهم يجهلون الدور الذي باتت تضطلع فيه. فالأعمى والبسيط من الناس يكاد يدرك هذه الحقيقة، ولهذا نطرح السؤال لماذا يطرحون او يطلبون شيئاً مستحيلاً وهم يدركون استحالته أو عليهم أن يدركوها بمجرد مراجعة تاريخ المقاومة وواقعها من ١٩٨٢ حتى اليوم؟

برأينا إنّ المبادرة موضوع البحث لم تطرح لتنفذ، بل طرحت من أجل إلقاء الحجة، وحجب انخراط دول الخليج في ما يعانيه لبنان ويتهدّده من مخاطر وبخاصة ما ينتظره خلال الأشهر الثلاثة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية. هذه الانتخابات التي كان الأميركي يعوّل عليها لينفذها بصيغة الانتخابات العراقية الأخيرة، بحيث يضمر حجم القوى المناهضة لأميركا والمؤيدة لمحور المقاومة، لكن مراكز الإحصاء والاستطلاع ذات الميول الأميركية خرجت في الأسبوعين الأخيرين بنتائج دراساتها لتعلم أميركا انّ واقع المقاومة الانتخابية مع حلفائها ينبئ بأنه من المستحيل كسرها او إسقاطها في الانتخابات لا بل انّ الانتخابات المقبلة ستعود عليها بالخير المؤكد وتجدّد الشرعية الشعبية لها في حين أنها ستكشف هزال خصومها. وبالتالي ستكون الانتخابات فرصة تغتنمها المقاومة لمصلحتها خلافاً لما يخطط ضدّها.

ومن أجل ذلك بدأ الحديث عن تأجيل الانتخابات، وبدأ التحذير من تأجيل الانتخابات، وبدأت الانسحابات من الانتخابات او العزوف عن المشاركة فيها، كلّ ذلك يدور في صفوف الجماعات المناهضة للمقاومة التي تتكل عليها أميركا في تنفيذ خططها، أما المقاومة فهي تعلن وبصوت عالي وبثقة تامة انتظارها لها بفارغ الصبر لأنها لصالحها.

وعليه، نرى انّ مسرحية المبادرة العربية هي مسرحية سيئة الإخراج غير قابلة للتنفيذ إذا تمسك بها سلة واحدة، واذا كان من محلّ لها فإنها تدرج في لائحة التصرفات والسلوكيات ذات الصلة بالرغبة بتوتير الوضع الأمني من أجل الإطاحة بالانتخابات، وما تشهده طرابلس من تجنيد وتدريب للشباب تحت لواء داعش صنيعة أميركا، أمر يجب ان يثير الريبة والشك في ما يخطط للوضع الأمني في لبنان ولنتذكر ان الانهيار الأمني هو المرحلة الرابعة من خطة بومبيو انهيار قد تدفع أميركا إليه لتؤجل الانتخابات وتحمّل حزب الله المسؤولية في ذلك، كما هي عادتها من الكذب والبهتان. وتكون دول الخليج قد استبقت الأمر وألقت الحجة على لبنان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى