أولى

هل تندلع حرب إقليميّة إذا نقّبت «إسرائيل» عن النفط في حقول بحريّة للبنان؟

 د. عصام نعمان*
هل يأتي عاموس هوكشتاين إلى لبنان وتأتي معه حرب إقليميّة؟

هوكشتاين هو المنسق الأميركي لشؤون الطاقة الدولية والوسيط في قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الصهيوني. يتردّد أنّ في جعبة الموفد الأميركي مشروعاً لإحياء المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين يستبطن مقاربةً جديدة لحلّ الخلاف حول المنطقة البحرية المتنازع عليها قرب الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

جوهرُ المقاربة الأميركية تقاسم عائدات النفط والغاز المستخرجة بدلاً من التنازع على موقع الخط الفاصل بين المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة لكلّ من الطرفين. لتدارك أيّة تأويلات او استنتاجات مغلوطة ناجمة عن مراسلات سابقة بين لبنان والأمم المتحدة سارعت وزارة الخارجية الى استباق زيارة هوكشتاين بتوجيه رسالة الى المنظمة الأممية تشكّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض بشأن الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية من الخط 23 الى الخط 29 مع الاحتفاظ بحق تعديل المرسوم 6433 /2011 في حال المماطلة وعدم التوصل الى حلّ عادل.

يبدو أنّ مقاربة هوكشتاين تتركّز على الاحتفاظ بالخط 23 وبالتالي التأكيد على حقّ لبنان بمساحة تزيد عن ثلاثة أضعاف مساحة الـ 860 كيلومتراً التي يتضمّنها الخط 23، شرط التأكيد على ملكية «إسرائيل» لحقل «كاريش» وإبقاء حقل «قانا» المتنازع عليه من حصة لبنان.

بغية الترويج لمحاسن مقاربة هوكشتاين الجديدة، جرى تسريب معلومات أميركية المصدر مفادها انّ احتياطات حقل «قانا» وحده تقدّر بمليارات الدولارات ما يجعل حجم ثروته يصل الى ضعفيّ حقل «كاريش»، مع العلم انّ ثلثي مساحة هذا الحقل موجودان داخل القطاع Block الرقم 9 اللبناني، أما الثلث المتبقي فموجود تحت الخط 23 المتنازع عليه.

ظاهرُ الحال يشير الى انّ لبنان لن يتقبّل المقاربة الجديدة لهوكشتاين الذي كان زار «إسرائيل» لتشاركه في إعدادها، فكيف يتصرّف لبنان إذا ما ركبت الحكومة «الإسرائيلية» رأسها وقرّرت المضيّ في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية المتنازع عليها؟

الأرجح انّ ردّ فعل لبنان سيكون رهن فعل «إسرائيل»، فماذا تراها تفعل حكومة الكيان الصهيوني؟

شركة «انرجين» اليونانية التي تعمل في حقليْ غاز «كاريش» و»كاريش الشمالي» كانت قد وقّعت عقداً مع «إسرائيل» لبدء استخراج الغاز من الحقل الأول بحلول الربع الثالث من العام الحالي ثم عادت وأكدت مؤخراً أنّ موعد استخراج الغاز من هذا الحقل سيكون في النصف الثاني منه، أيّ قبل نهاية 2022. وعليه، سيكون لبنان مضطراً الى اتخاذ موقف سياسي، وربما عسكري ايضاً، من التحدي «الإسرائيلي»، فماذا تراه يكون؟

صحيح أنّ لبنان أبلغ الأمم المتحدة أخيراً تمسكه بالخط 29، لكن ذلك لن يكون إجراء كافياً لردع الكيان الصهيوني عن استخراج النفط والغاز من المنطقة المتنازع عليها التي تقع برمّتها في المنطقة الاقتصادية البحرية اللبنانية الخالصة.

قد يستبعد بعض حلفاء أميركا في لبنان أن تسمح واشنطن لتل أبيب باستفزاز حلفاء إيران في المشرق العربي في وقتٍ تسعى الى إحياء الاتفاق النووي معها، بينما يرى بعضهم الآخر العكس تماماً بمعنى ان تستغلّ واشنطن ضعف لبنان حاليّاً بكلّ أطرافه، سواء كانوا أصدقاء او أعداء، لتعوّض „إسرائيل» خسارتها السياسية والعسكرية الناجمة عن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بأن تمنح „إسرائيل» بعضاً من ثروة لبنان النفطية والغازية. وثمة بين حلفاء أميركا مَن يرى أيضاً أنّ أميركا، كما „إسرائيل«، ستكونان كاسبتين اذا ما رفض لبنان الصفقة التي يحاول هوكشتاين تمريرها إذ سيوفّر الرفض لواشنطن وتل أبيب الذريعة اللازمة لتصعيد حربهما الإقليميّة على إيران وحلفائها، لا سيما على حزب الله الذي تحمّله واشنطن كامل المسؤولية عن تراجع نفوذها وحلفائها في لبنان وسورية والعراق واليمن.

كلّ هذه التحليلات لا تُغني حزب الله وحلفاءه ــ وبعضهم يُمسك بمواقع أساسية عليا في السلطة ــ عن التحسّب لهجمة „إسرائيلية» عنيفة، فماذا يفعلون؟

قادة حزب الله وحلفاؤه يتذكرون بلا شك أنّ لبنان تعرّض في مطالع تسعينيات القرن الماضي الى تحديات مماثلة لتلك التي يتعرّض لها في هذه الآونة. فقد قامت المقاومة اللبنانية آنذاك بعمليات عسكرية ناجحة ضدّ قوات الاحتلال „الإسرائيلي» في منطقة شبعا المحتلة ما حمل „إسرائيل» على الردّ في عمق البلاد، وكان أن انبرى فريق من حلفاء الغرب المعادين لحزب الله بالاعتراض على هذه العمليات بدعوى أنّ مزارع شبعا جزء من الجولان السوري وليس من الجنوب اللبناني بدليل وجود قوات سورية فيها إبّان حرب العام 1967، وانّ سورية أولى بتحريرها من المقاومة اللبنانية. ذلك الاعتراض استحقّ ردّاً فورياً من السيد حسن نصرالله بقوله: حسناً، فليعلن مجلس النواب ومجلس الوزراء اللبنانيان أنّ منطقة شبعا ليست لبنانية فتتوقف المقاومة فوراً عن العمل لتحريرها!

لم يجرؤ أيّ من النواب أو الوزراء على التبرّؤ من هوية شبعا اللبنانية، وكان ان تابعت المقاومة عملياتها ضدّ مواقع الاحتلال „الإسرائيلي» الى ان تمكّنت من إجلائه في ايار/ مايو العام 2000.

بعد ذلك الحدث بنحو عشر سنوات هدّدت „إسرائيل» لبنان بقصفه في العمق إذا ما حاول التنقيب عن النفط والغاز في مواقع بحرية جنوبية محاذية لحقولٍ تقوم هي باستخراج النفط والغاز منها، فما كان من السيد حسن نصرالله إلاّ أن هدّدها بقصف وتدمير منشآتها النفطية البحرية في شمالي فلسطين المحتلة.

ترى هل يُعلن السيد حسن نصرالله مرةً أخرى انّ المقاومة ستقوم بتدمير المنشآت النفطية „الإسرائيلية» المحاذية لحقول النفط اللبنانية الكائنة في البلوكات 8 و 9 و 10 إذا ما حاولت „إسرائيل» التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها التي تقع برمّتها داخل منطقة لبنان الاقتصادية الخالصة؟

لعلّ ذلك سيكون الردّ الأّبلغ على ما يُسمّى مقاربة عاموس هوكشتاين الأميركية ـ „الإسرائيلية» الجديدة…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى