أخيرة

الوتريات الليلية في وصف الاجتماعات العربية «الإسرائيلية»

} حمزة البشتاوي

في زمن أقلّ وحشة من الآن، اتصل بي الشاعر جمعة الحلفي وأبلغني بأنه سيأتي مع الشاعر مظفر النواب إلى مدينة اللاذقية لعرض مسرحية (العربانة)، وطلب مني أن أكون في استقبالهم في محطة الباصات، وبعد عناق قليل وكثير من التحيات غادرنا الشاعر جمعة الحلفي ليتأكد من حجز وجهوزية مكان الإقامة، وذهبت برفقة مظفر النواب إلى مقهى في وسط المدينة وجلست معه متحدثاً ليس فقط عن إعجابي بشعره بل رحت أحدثه عن الأوضاع السياسية والموقف المطلوب في هذه المرحلة الحساسة والحرجة وضرورة تعرية الأنظمة المفرطة بأهمّ قضية عادلة في العصر الحديث. وكان صمته يدفعني أكثر للحديث، ثم طلب مني بصوت منخفض بعد أن تأخر جمعة الحلفي أن نتمشى قليلاً في شوارع المدينة، وأثناء ذلك عدت لمتابعة حديثي عن مؤتمرات التسوية ومؤتمر مدريد، وتابع هو صمته ثم فجأة أوقفني عن السير بيده فتوقفت عن الكلام وطلب مني قراءة ورقة نعوة على الحائط، فقرأت ما كان مكتوباً عليها: بقضاء ورضى وتسليم. فقال لي: وكلّ ما يجري في المنطقة هو بقضاء ورضى وتسليم.

هذا ما جرى في مطلع التسعينات وأما اليوم قد لا نجد سوى شعر مظفر النواب للحديث بدون أيّ عمليات مكياج حول الأوضاع العربية الراهنة والاجتماعات العربية “الإسرائيلية” التي تحصل بشكل علني بالقرب من القدس التي تصرخ ألماً من الغزاة والطغاة والزناة في زمن سقوط أوراق التوت وكشف الوجوه بلا أقنعة، وفرض الهزائم فرضاً على أولئك المسؤولين المشاركين في تلك الاجتماعات وليس آخرها لقاء النقب، حيث قرأ المشاركون الفاتحة على قبر ديفيد بن غوريون بالعربية الفصحى! وهذا يعيد طرح سؤال مظفر النواب حين قال:

هل أنتم عرب

والله أنا في شك من بغداد إلى جدة

هل أنتم عرب

وأراكم تمتهنون الليل

على أرصفة الطرقات الموبوءة

أيام الشدة

قتلتنا الردة، قتلتنا الردة

إنّ الواحد منا يحمل في الداخل ضدّه

ويسألهم أيضاً كمن يعوي في الصحراء بلا مأوى:

لماذا أدخلتم كلّ زناة الليل حجرتها

ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب

ثم يوظف الشتيمة بأسلوب حادّ ومباشر ليؤكد كشاعر ثورة وتمرّد وتحريض يقترف الشعر السياسي بأنّ أيّ بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة، وأنّ التطبيع هو ذلّ ومهانة وبيع للقضية، وفي ظلّ بقاء الوضع العربي وانبطاح الأنظمة وحرف البوصلة وفقدان الاتجاه يحضر أيضاً مظفر النواب وتحضر وترياته حين يقول:

فإذا جن الليل تطق الأكواب

بأنّ القدس عروس عروبتكم

أهلاً أهلاً

من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة

والقيادات التي تكرّشت وصارت بلا رقبة.

هذه القيادات التي تحدث عنها النواب كانت ولا تزال تحمل أسلحة تطلق للخلف ولا تعدنا سوى بالخراب وتهرول بلا حياء نحو أحضان المغتصبين الذين لا يشبهون أحداً سوى المطبّعين المفرّطين بالقدس وما تحمله من قداسة المبنى والمعنى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى