مقالات وآراء

زحمة ملفات في زيارة بايدن

} عمر عبد القادر غندور*

 ما من يوم يمرّ إلا وتشهد المدن الأميركية موجات إجرامية تحصد العشرات من المدنيين والأبرياء وخاصة من أطفال المدارس، فيما تشهد الحدود الجنوبية الأميركية محاولات متكرّرة لعبور الحدود وقد بلغت مليوني شخص منذ بداية عهد بايدن.

 والأوضح من ذلك ما نشرته صحيفة «الصنداي» البريطانية يوم السبت وتصف عهد بايدن بالكارثي للغرب والعالم الحر. ويقول كاتب المقال غاردينير انه لم ير على مدار عشرين عاماً له في واشنطن هذه الفوضى في البيت الأبيض! وقد استهلّ الكاتب تقريره بالقول: ربما يكون المشهد أكثر حزناً في عالم اليوم هو رؤية أفول القوى العظمى لهذا العصر، وانّ الولايات المتحدة في وضع السقوط الحر، واقتصادها يتجه نحو الركود، مع ارتفاع التضخم والارتفاع الصاروخي في أسعار البنزين والسلع الاستهلاكية وتدهور سوق الأوراق المالية الذي ادّى الى محو تريليونات الدولارات! وانّ الشعور بالعجز في جميع أنحاء الولايات المتحدة أصبح ملموساً! حتى انّ بعض الكتاب لا يتردّدون في القول انّ بايدن رئيس هاوٍ وليس محترفاً، حتى ان صحيفة «نيويورك تايمز» شككت في قدرته على خوض انتخابات ٢٠٢٤.

والسؤال في ضوء هذه الحقائق: ماذا يريد الرئيس بايدن من زيارته للشرق الأوسط بين ١٣ و٢٦ من الشهر الحالي؟

الانطباع الأول انّ الرئيس بايدن يريد في المقام الأول تأميم النفط والغاز بمندرجات توافقية وودية قبل ان يطرح أفكاره بشأن الأصدقاء والحلفاء في مواجهة من يعادون دولة الصهاينة في فلسطين المحتلة، ولعلّ أكثر المرحبين بهذه الزيارة «الميمونة» وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد الذي قال انّ زيارة الرئيس الأميركي سيكون لها تأثير كبير على المنطقة وهو الذي سيتولى منصب رئيس الوزراء بعد اتفاق حلّ الحكومة وإجراء انتخابات عامة مبكرة.

 وقد بلغت حماسة لابيد للزيارة حدّ القول انّ الزيارة سيكون لها تأثير كبير على المنطقة وعلى الصراع مع إيران، وإمكانات هائلة لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة بشكل كبير !

 وعلى بعد أيام قليلة من الزيارة «الميمونة» أعلن البيت الأبيض انّ الرئيس بايدن سيزور الشرق الأوسط لمدة ٤٠ ساعة، وانّ الغرض من الزيارة هو تعزيز التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل» وازدهارها وبذل المستطاع للتقريب بين تل ابيب والرياض. وقد يزور بايدن أحد مطارات منظومة الدفاع الجوي «الإسرائيلي» «القبة الحديدية» التي تموّلها الولايات المتحدة.

 وتفيد تقارير انّ اثنين من كبار مستشاري بايدن قاما بزيارة سرية للسعودية بشأن الوساطة بين «إسرائيل» والسعودية، وربما للتمهيد لقيام «ناتو إسرائيلي عربي» في مواجهة إيران، وهو ما يتحدث عنه صراحة رئيس الوزراء الصهيوني خلال زيارته الأخيرة للبحرين.

 ويتساءل الصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان في مقابلة مع تلفزيون «المنار»: ماذا يريد بايدن من زيارته للشرق الأوسط؟ هل تراجع عن توصيف السعودية بـ «المنبوذة» بعد مقتل الصحافي خاشقجي؟ وعن رفضه الحديث مع ولي العهد؟ وهل قرّر الركوع والتراجع عن عنترياته بعد ان دخلت الحرب الروسية الأوكرانية شهرها الخامس وفشل أميركا في التعاطي مع الحرب وارتفاع أسعار النفط والتسبّب في الركود الاقتصادي العالمي.

 او انّ ولي العهد السعودي رضخ للضغوطات الأميركية وإنهاء الاتفاق بين السعودية وروسيا بخصوص اتفاق «أوبيك» الذي رفع سعر برميل البترول الى ما يزيد عن ١٢٥ دولاراً ما زاد أرباح السعودية مليار دولار يومياً؟ انّ غدا لناظره قريب.

وثمة من يقول انّ زيارة الرئيس الأميركي للشرق الاوسط قد تنطوي على «قطبة مخفية» في ضوء فشل تشكيل تحالف عسكري شرق أوسطي في ما مضى يُذكر بفشل «حلف بغداد» في خمسينيات القرن الماضي، الا انّ الولايات المتحدة قد تعيد الكرة لحاجة «إسرائيل» الى مثل هذا الحلف في ضوء تنامي القدرات العسكرية الإيرانية، وبالتالي لإضعاف القضية الفلسطينية، ومطالبة بعض «أعراب» الخليج ليس بتجميد البرنامج النووي الإيراني، بل القضاء على البرنامج الصاروخي الإيراني، ومنهم «الأعراب» من يخشى تسليم المنطقة من جديد لإيران!

ومهما كان مثل نصيب هذه التوقعات العسكرية للمنطقة او فشلها، فإنّ الإدارات العسكرية قطعت أشواطاً في ضوء ما نقلته مصادر أميركية وإقليمية من انّ الولايات المتحدة عقدت قمة لمسؤولين كبار من «إسرائيل» والدول العربية لمناقشة التنسيق ضدّ الصواريخ والطائرات المُسيّرة الإيرانية، وشارك في هذه الاجتماعات رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» أفيف كوخافي ونظرائه في بعض الدولة العربية، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها ضباط رفيعو المستوى من «إسرائيل» والدول العربية بإشراف أميركي.

 في زحمة هذه العناوين يزور الرئيس الأميركي الشرق الاوسط بينما العالم كله يتحسّس تراجع أمنه الغذائي وارتفاع أسعار المحروقات كافة على وقع يوميات حرب أوكرانيا التي أسفرت وستسفر عن وقائع جديدة، وانقطاع التواصل بين الغرب وروسيا التي تبدو مكتفية وأقلّ اضطراباً، ولا شك انّ الرئيس بايدن يضع في أعلى أولوياته مصلحة «إسرائيل» وسيرعى المحاولات الجادة لقيام «ناتو عربي إسرائيلي» بغضّ النظر عن مصير اتفاق فيينا النووي ولعلّ أبرز الملفات ستعالج العلاقات الأميركية السعودية وضرورة استعادة المملكة الى بيت الطاعة، وهي لم تغادره اصلاً، رغم بعض التباينات التي حدثت بعد اغتيال خاشقجي… وقد يذكر «الرئيس بايدن لبنان في معرض اهتماماته بغاز ونفط الشرق الاوسط الذي تبدو القارة الأوروبية متلهّفة اليه، ما يجعل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة شأناً إقليمياً هاماً وسيادياً جداً للبنان ليس فقط لناحية استخراج النفط والغاز بل أيضاً في ضوء تحديد أماكن تمرير الأنابيب.

*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى