مقالات وآراء

في عمق المشهد السوري والإيراني… اتفاقية استراتيجية بعناوين ورسائل متعددة

 د. حسن مرهج

تحاول الولايات المتحدة الأميركية دفع المشهد العام في سورية والإقليم، إلى المزيد من التوترات، بما يؤسس لحالة انزلاق سياسي وعسكري؛ يأتي ذلك ضمن إطار الانسحاب الأميركي المزمع من المشهد العسكري السوري، الأمر الذي تترجمه واشنطن على أنّ ذلك الانسحاب، سيُشكل مساحة للمناورة الروسية والإيرانية، نحو ملء الفراغ الأميركي في شمال شرق سورية.

إلا أنّ هدف تقويض طهران بات يُشكل قاسماً مشتركاً لمحور واشنطن وأدواتها في المنطقة، خاصة أن هناك توافقاً دولياً غير معلن لجهة السماح لـ «إسرائيل» باستهداف التواجد الإيراني في سورية؛ هذا الاستهداف الذي تزايدت حدّته في الآونة الأخيرة قد يكون من شأنه إبقاء المشهد السوري خاصة والإقليمي عامة، مرشحاً لجملة واسعة من الاضطرابات كبرى، ولكن قد يُخفف من بعضها، تغليب الفاعلين في الولايات المتحدة الأميركية لسيناريو «الخنق الاقتصادي والاستهداف الدقيق»، الذي يهدف بحسب بعض التصريحات الأميركية إلى تغيير النظام الإيراني من الداخل من خلال ضرب الاقتصاد المحلي، وإنهاك البلد، واستهداف التواجد الإيراني في الإقليم.

في المقابل، فإنه من المتوقع أن تتّبع طهران سيناريو «استيعاب المرحلة»، واللعب على التناقضات بين الفاعلين سواء في الداخل الأميركي نفسه الذي يشهد اضطراباً متزايداً حول سياسات ترامب في المنطقة باعتبارها سياسات ارتجالية لا تستند لركائز استراتيجية، أو تلك التناقضات الكامنة بين روسيا وتركيا حول ترتيبات شرق الفرات، أو من خلال المفاوضات الجارية بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية والتي لا تزال حذرة ومليئة بالتعقيدات.

وبالتالي فإنّ معظم القرائن تشير إلى أنّ حلاً سياسياً ناجزاً وشاملاً في سورية، قد يطول أو يقصر التوصل لهذا الحلّ، لكنه آتٍ لا محال، وبالتالي ستعتمد الأطراف الفاعلة والمؤثرة في سورية سياسة الركون إلى مناطق النفوذ والبناء عليها لتكون الدينامية الأبرز لمحركات المشهد السوري؛ وهذا سيتيح المجال أمام طهران تعزيز شبكاتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية من جهة؛ ويخلق لها هوامش للتحرك من جهة ثانية، وذلك لإعادة خلق سياسات تُمكنها من حماية مكاسبها وضمان استمراريتها وعدم خسارتها لمسرح جيوسياسي مهم كـ سورية. وهذا ما أكده اللواء الباقري حين قال «الاتفاقية الموقعة تعزز إرادتنا وتصميمنا على التعاون المشترك في مواجهة الضغوط الأميركية»، وفي ذات السياق قال العماد أيوب «الاتفاقية العسكرية الشاملة بين إيران وسورية تأتي تتويجاً لسنوات من التنسيق والتعاون وظهرت نتائجها بالعمل المشترك لمكافحة الإرهاب».

وانطلاقا من عمق المصالح السورية والإيرانية، تم تتويج هذه العلاقة باتفاقية تعاون عسكري وأمني، ما يعني تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني على أهم المنافذ البحرية والبقع الجغرافية في المنطقة، والتي تُعد سورية أحد ركائزها الأساسية، وذلك هو السبب الرئيسي وراء إصرار طهران على تعميق تحالفاتها مع دمشق، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تركن إلى عدة أساليب أبرزها؛ استمرار تقديم الدعم العسكري للجيش السوري في حربه ضدّ الإرهاب، وذلك عبر الخبراء و المستشارين الإيرانيين، إضافة إلى تعزيز النواحي الأمنية والاستخباراتية، بُغية قراءة عمق المشهد الأميركي في المنطقة، وتأمين هامش سوري إيراني، يُمكن من خلاله الالتفاف امنياً واستخباراتياً، على الخطط الأميركية تُجاه البلدين.

ولعلّ قانون قيصر يُفهم منه أنه صُكّ بناءً على أبجديات حصار سورية وإيران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لكن في عمق هذا المشهد، يبدو أنّ الزخم السياسي والعسكري وكذا الأمني، بين دمشق وطهران، يفتح مشاهد جديدة ستكون بلا ريب مؤرقاً جديداً للإدارة الأميركية، خاصة أنّ تعزيز التحالفات الاستراتيجية بين دمشق وطهران في زمن قيصر، يُعدّ إنجازاً استراتيجياً بالمقاييس كافة، الأمر الذي سيفتح باب التساؤلات على مصراعيه لجهة الخطوة الأميركية القادمة تجاه هذا التعاون الاستراتيجي الجديد بين البلدين، وأيًّ تكن الخطوة الأميركية، إلا أن العلاقة السورية الإيرانية باتت من ضمن المعادلات التي لا يُمكن اختراقها، أو تأطير نتائجها وتداعياتها في عموم المنطقة.

وفي ضوء ذلك، بات واضحاً أن المسار الذي تهندسه دمشق وطهران، يذهب بعيداً في الاستراتيجية المتعلقة بوضع حد السياسات الأميركية في المنطقة، مع تطويع الأدوات السياسية والعسكرية لإحراز هذه الأهداف، وصولاً إلى رسم نظرة استشرافية حول الدور الإيراني في سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى