الوطن

زيارة بايدن إلى المنطقة 
بين الأجندة الأميركية «والحكمة» السعودية

} د. محمد سعد

على وقع الأحداث الكبرى الجارية على المستوى الدولي وأبرزها الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا وما خلفتها من اصطفاف غربي غير مسبوق ضد روسيا وفشل العقوبات عليها، فضلاً عن الأجواء المتوترة في الإندو باسفيك حيث المواجهة الكبرى المرتقبة مع الصين، والحراك الإقليمي الحافل بالزيارات واللقاءات الثنائية والجماعية التي تجري بين عدد من قادة دول منطقة الشرق الأوسط، المتلازم مع الإعلان الصهيوني عن تشكيل تحالف دفاعي يضمّ عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني لمواجهة «الخطر» الإيراني المزعوم، والذي عبّر عنه ملك الأردن بحديثه عن تشكيل ناتو شرق أوسطي، إضافة إلى الأزمات الحادة التي تعصف بالدخل الأميركي كالتضخم غير المسبوق، وتزايد المديونية الأميركية، والانقسام الذي يسود المجتمع الأميركي، وتراجع شعبية بايدن إلى أدنى مستوى لرئيس أميركي، والصعود الصاروخي لأسعار الطاقة والتي يئن منها الأميركيون، والانتخابات النصفية القادمة والتي تتحدث استطلاعات الرأي عن عودة الجمهوريين وبقوة للاستحواذ على الأغلبية في الكونغرس الأميركي، يزور الرئيس جو بايدن المنطقة في الفترة الممتدّة من 13 إلى 16 تموز/ يوليو المقبل، حيث من المقرّر أن تشمل زيارته الكيان الصهيوني، السلطة الفلسطينية، والسعودية التي سيلتقي خلالها قادة دول مجلس التعاون الخليجي وكلّ من مصر والأردن والعراق.

زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة وصفتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأنها انتصار للواقعية السياسية على القيم الأخلاقية، فهي تعتبر تراجع لبايدن عن تعهّداته الانتخابية التي روّج لها قبل وبعد انتخابه بجعل السعودية دولة منبوذة، واتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه يقف خلف جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وبالتشدّد مع السعودية بسبب استمرار حرب اليمن، وانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، وعليه فإنّ السياق الجيوسياسي العالمي الذي يشير إلى حجم المأزق الأميركي ومعه الأوروبي دفع الرئيس بايدن إلى وضع التعهّدات جانباً، لصالح أجندة جلها تقوم على تحقيق المصالح الأميركية ويمكن إيجازها بما يلي:

أولاً: الهدف المفصلي في زيارة الرئيس بايدن إلى المنطقة يقوم على إعادة تشكيل الساحة الإقليمية الشرق أوسطية وفق الحسابات الأميركية، وضبط إيقاع اللاعبين الرئيسيين فيه، الذين تعتبرهم واشنطن تاريخياً جزء لا يتجزأ من أدوات سياستها الخارجية، خاصة مع استمرار الحرب الأطلسية ضد روسيا في الشرق الأوروبي في ظلّ الفرز الدولي حيث الولايات المتحدة وأوروبا والناتو في جانب، وروسيا والصين وإيران وقوى أخرى في جانب آخر.

ثانياً: إعادة التوازن إلى المنطقة بعد اختلاله لصالح محور المقاومة، ولوضع حد لما يسمّيه فريق الرئيس بايدن بـ «الجموح والتهديد» الإيراني، وشواهده وفق رؤيتهم واضحة في سورية واليمن ولبنان وفلسطين وإلى حدّ ما في العراق، وعليه يعتقد بايدن أن اجتماعه بدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق سيشكل رسالة قوية لطهران، خاصة أنّ الكونغرس الأميركي يعمل بشكل حثيث على إقرار قانون بعنوان «ردع الأعداء تعزيز الدفاعات» والذي يهدف إلى ربط دول المنطقة التي تدور بالفلك الأميركي بنظام أمني هو أقرب إلى الناتو بعنوان شرق أوسطي بقيادة أميركية ومشاركة صهيونية خليجية مصرية أردنية، تؤكد من خلاله واشنطن التزامها بأمن هذه الدول التي تزايدت شكوكها حيال تخليها عنهم.

ثالثاً: على خطى الشعار الشهير أنه الاقتصاد أيها الغبي Its the economy stupid  الذي صاغه جيمس كارفيل الخبير الاستراتيجي مدير الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 1992، يسعى بايدن ووفق شعار أنه النفط والغاز أيها الغبي Its the oil stupid إلى احتواء انفجار الطاقة وتشظيه، فواشنطن فقدت السيطرة عليه باعتبار روسيا عضواً مهماً في سوق الطاقة العالمي، ولاعباً مؤثراً في أوبك بلاس، وإخفاقها في تحقيق المرجو من العقوبات ضد موسكو، لذا يهدف بايدن إلى ضرب قطاع الطاقة الروسي وحرمان موسكو من عوائده، ولتحقيق ذلك فإنه يحتاج إلى إقناع دول الخليج، وتحديداً السعودية، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الحصة الروسية في أسواق الطاقة العالمية، لأنّ هذا باعتقاد بايدن وحال إمساكه مجدّداً بمفاتيح الطاقة في المنطقة سيدفع بالأوروبيّين لمغادرة دائرة التردّد، والذهاب بعيداً خلف المقاربة الأميركية للتعامل مع روسيا، فضلاً عن أنّ الزيارة وفق التصورات البايدنية ستوفر الفرصة المناسبة لاحتواء التقارب الروسي السعودي الذي انسحب على مجالات أخرى غير الطاقة.

رابعاً: يسعى بايدن إلى دفع مسار التطبيع السعودي ـ الصهيوني قدماً، إذ يشكل انضمام الرياض إلى اتفاقيات إبراهام والتي كانت أطلقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، هدفاً أميركياً صهيونياً يعطي دفعاً كبيراً لتل أبيب لتثبيت مكانتها في المنطقة في ظلّ التهديدات الوجودية التي تحدق بها، واللافت أنّ الطائرة التي ستقلّ بايدن ستقلع من «تل أبيب» إلى جدة مباشرة، وهي الطريق نفسها التي سلكها ترامب عام 2017، حينما أقلعت طائرته من الرياض إلى «تل أبيب» مباشرة بعد حضوره القمة «العربية ـ الإسلامية ـ الأميركية».

خامساً: ينظر بايدن بعين القلق إلى التعاون المتنامي بين السعودية والإمارات والصين، فالأخيرة أطاحت بالولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأول للسعودية لتحلّ مكانها، فشركة هواوي تستحوذ على استثمارات كبيرة في السعودية وغيرها من دول الخليج، كما أنّ الصين تشتري 1.8 مليون برميل يومياً من نفط السعودية، فبكين موجودة في مناطق الإنتاج السعودية الكبرى للنفط حيث استثمارات شركاتها في منطقة الربع الخالي، وهناك مشاورات تجري بين الرياض وبكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية باليوان الصيني، في خطوة من شأنها أن تقلل من هيمنة الدولار على سوق البترول العالمي، الأمر الذي سيؤدّي حال حصوله إلى كسر الهيمنة الأميركية في مجال تسعير الطاقة المعروفة بالبترودولار. والجدير ذكره أنّ الصينيين استقبلوا بحفاوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام 2019، في مشهد عكس تنامي العلاقات بين الجانبين، وهذا ما دفع بايدن للتنازل عن كبريائه باعتبار أنّ المصالح الأميركية ستتضرّر كثيراً جراء وقوفه متفرّجاً على التحول الكبير في العلاقات السعودية الصينية.

الأخطر من كلّ ذلك في العلاقات السعودية الصينية وفق وجهة النظر الأميركية هو أنّ هذه العلاقات الاقتصادية والتجارية فتحت آفاق واسعة للعلاقات العسكرية والأمنية، فهناك توجس أميركي كبير في ما يتعلق بالمعلومات عن مساعدة الصين للسعودية على إنشاء وتطوير برنامج صاروخي، كلّ ذلك يعني أنه إذا استمرت الأمور على هذا المنوال فان واشنطن لن تعود الشريك الاستراتيجي العسكري للرياض ما يعني تحولاً كبيراً في المنطقة.

سيستغلّ ولي العهد محمد بن سلمان زيارة بايدن إلى السعودية وسيعدها انتصاراً كبيراً له، واعترافاً به باعتباره الحاكم الشرعي للمملكة، ومفتاحاً أساسياً لإعادة الزخم إلى العلاقات السعودية الأميركية، لدرجة أنّ تركي الفيصل أحد الأمراء السعوديين قال: «إنّ الشعبية المتدهورة للرئيس بايدن هي التي تدفعه إلينا، ويأمل أن يعزز شرعيته من خلال لقائه مع ولي عهدنا».

إدارة بايدن شأنها شأن كلّ الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض تقدم المصالح الأميركية الاستراتيجية والسياسية على ما عداها، فهاجس هذه الإدارة الذي يؤرقها يكمن في إضعاف روسيا واحتواء الصين، فالمتغيّرات الجيوسياسية العالمية تستوجب تجاوز الشعارات والوعود الانتخابية وانتقادات الداخل الأميركي الذي يرى بعضه أن مقاربات ادارة بايدن تقوم على افتراضات غير واقعية ومبالغ فيها حول قدرة السعودية والإمارات على تعويض الصادرات الروسية من النفط، وهذا ما كشفته المحادثة التي جرت في اجتماع مجموعة السبع بين الرئيسين ماكرون وبايدن بمشاركة مستشار الأخير للأمن القومي جيك سوليفان، فضلاً عن أنّ الزيارة ستخلف شرخاً بين التيارين الواقعي والتقدمي داخل الحزب الديمقراطي الأميركي، الأمر الذي سينعكس مزيداً من التراجع للديمقراطيين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي التي ستجري في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في مواجهة الحزب الجمهوري المتراص والمتماسك.

سيقف بايدن في السعودية ليخاطب العالم ويقول أمام الصحافيين ما قاله ذات مرة الرئيس ريتشارد نيكسون في زيارته الشهيرة للسعودية عام 1974 في حضور الملك فيصل: «أنا أعلم أنّ كثيراً من الأشخاص على الأقلّ كما هو متوقع يأتون إلى السعودية للحصول على النفط، أما نحن يتابع نيكسون فنحتاج إلى ما هو أثمن من النفط، وهو الحكمة السعودية».

ماذا تنفع «الحكمة» السعودية إنْ وجدت، أقول إنْ وجدت، الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم سياستها «وحكمتها» الثابتة الشرق أوسطية على مبدأين، أولهما: الحفاظ على أمن «إسرائيل» وتفوّقها، وثانيهما: ضمان إمدادات الطاقة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى