نقاط على الحروف

حلف اقتصادي يخرج آسيا من السيطرة الغربية

ناصر قنديل

ــ تقول وكالة بلومبيرغ المتخصصة بالشؤون الاقتصادية إن السيطرة الروسية على ضفتي بحر آزوف من خلال السيطرة على مقاطعة خيرسون، لم تكن مجرد عمل عسكري في سياق الحرب الأوكرانية، بل كانت في جوهرها ترجمة لخيارات اقتصادية استراتيجية، وتكشف الوكالة عن خطة روسية إيرانية لتشغيل شبكة مركبة من ممرات برية وبحرية بطول 7200 كلم، تتيح التنقل في طرفي بحر قزوين من الضفة الإيرانية الى الضفة الروسية وبالعكس، لاستخدام شبكة ايرانية برية وبحرية وشبكة روسية بحرية ونهرية، بحيث تؤمن الشبكة ربط إيران وروسيا والصين عبر ميناء غوادار الباكستاني الذي تربطه بشانغهاي شبكة سكك حديد متطوّرة، وتأمين عبور البضائع إلى المحيط الهندي، وخصوصاً وصول القمح والنفط والغاز من روسيا الى الهند، وتخلص الوكالة إلى أن الخطة الجديدة تعني تحرير التجارة الآسيوية من العبور في أي من الممرات البرية والبحرية التي يمكن للغرب التأثير على حرية الملاحة فيها، وبتكلفة أقل بـ 30% على سبيل المثال من استخدام قناة السويس، وبزمن يعادل نصف الوقت اللازم لاستخدام القناة.
ــ يقول المسؤولون الروس والإيرانيون والصينيون، إن الشبكة الجديدة المسماة “ INSTC» تضمن نقل بضائع تزيد قيمتها عن تريليون دولار خلال العام الحالي، بعدما نجحت في تأمين شحنات بلغت 12 مليون طن من القمح الروسي إلى الهند بوقت قياسي وكلفة منخفضة، وأن هذه الشبكة المغطاة بتشريعات وأطر قانونية في أكثر من عشر دول معنية باستثمارها بما فيها باكستان والهند وأفغانستان، عبر ربط موانئ بندر عباس وبوشهر الإيرانيين على الخليج مع ميناء غوادار في باكستان بالشبكة، وأن أنابيب النفط والغاز في الدول المعنية ستكون صالحة للاستعمال من الدول المشاركة، بما يتيح على سبيل المثال أن تزود الأنابيب الروسية شمال إيران بالغاز الروسي، مقابل أن تزود إيران أفغانستان بالغاز نيابة عن روسيا، وبالنتيجة سيكون هناك سوق تمثل ثلث الاقتصاد العالمي، ونصف سكان العالم، قد أصبحت خارج قدرة الغرب على التحكم بالتجارة الدولية، ويصبح الشاطئ الغربي للبحر الأبيض المتوسط خطا فاصلا بين منطقة السيطرة الغربية من جهة، وسوق الشرق الجديدة من جهة مقابلة.
ــ هذا الخط التجاري الاستراتيجي يؤكد أن خطة إنشاء سوق الشرق الجديدة تسلك طريق التنفيذ، وأن خريطة الحزام والطريق الصينية صارت جزءاً منها، وأن ما أنجز في هذا المجال خلال أقل من عام، كافٍ لإثبات الجدية التي تنظر من خلالها موسكو وبكين وطهران لهدف السوق الموحدة، لأن ما تكشف عنه الصحافة الصينية عن توحيد أدوات بديلة للسويفت معتمدة في كل من الصين والهند وروسيا وايران، بما يتيح العمل المصرفي الثنائي والمتعدد الأطراف بالعملات الوطنية دون المرور بالدولار واليورو من جهة، ودون المرور بالمنصات المصرفية الغربية من جهة موازية، يؤكد أيضاً أن التسارع الذي يتمّ العمل من خلاله السير نحو اقتصاد مستقل مالياً ومصرفياً عن الغرب، يعبر عن قرار استراتيجي لا يكتمل دون ظهور عملة موحّدة رديفة تتساكن مع العملات الوطنية للدول المشاركة في السوق الجديدة، وتشكل قطباً جاذباً للاستثمار المصرفي والمالي من خارجها، وهو ما تهتم به الصين وتعد بأن يبصر النور قبل العام 2025.
ــ إيران تشكل قلب هذه السوق الجديدة، ما يثير الذعر في الغرب، وتتحدث التقارير أن إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي (الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان) قد انتهيا من شروط اتفاقية التجارة الحرة التي تضمّ أكثر من 7500 نوع من السلع. ينفتح سوق بحجم 700 مليار دولار أمام المنتجات والخدمات الإيرانية اعتبارًا من العام الإيراني المقبل بدءًا من 21 مارس 2023، بينما عقد الربط في شبكات النقل البرية والبحرية ترتبط بإيران كنقطة وسط، ما يعني أن حاجة إيران لرفع العقوبات الأميركية ستصل إلى الصفر مع نهاية عمر الاتفاق النووي عام 2025.
ــ الذين يقرأون السياسة بمعزل عن الاقتصاد والمصالح، مصرون على العيش في أوهام كان الغرب يملك فيها السطوة العسكرية والقدرة على التحكم الاقتصادي، وكلاهما أصبحا في خبر كان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى