مقالات وآراء

الضفة والقدس بين تصاعد الاستيطان وحرب الاحتلال… وتأجّج المقاومة الفلسطينية وتطوّر أدائها

‭}‬ حسن حردان
المراقب لتطورات الوضع في فلسطين المحتلة، لا سيما في الضفة الغربية والقدس، يدرك أنّ هناك حرباً متواصلة، دون توقف، تدور رحاها منذ أكثر من سنة، بين المقاومة المسلحة من ناحية، وقوات الاحتلال والمستوطنين من ناحية ثانية… فالاحتلال يصعّد من عمليات الاستيطان في القدس والضفة، وهجماته اليومية ضدّ المدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية، في محاولة يائسة للنيل من شباب المقاومة، إما اعتقالاً، أو قتلاً، فيما المقاومون باتوا يتصدّون لهجمات قوات الاحتلال بالاشتباك معها ومنعها من تحقيق أهدافها، على أنه كان لافتاً في الآونة الأخيرة تطوّر أداء المقاومة على مستويين:
المستوى الأول، تكثيف الهجمات ضدّ دوريات الجنود الصهاينة والمستوطنين وإيقاع الخسائر في صفوفهم.
المستوى الثاني، نجاح المقاومين الذين تلاحقهم قوات الاحتلال في التخفي وأخذ الاحتياطات الأمنية الضرورية مما بات يحول دون قدرة جنود العدو على اعتقالهم أو قتلهم، وهو أمر أصبح يتكرر مؤخرا بشكل يومي، الأمر دفع قوات العدو إلى الانتقام لفشلها عبر تفخيخ المنازل التي تقتحمها وتفجيرها قبل مغادرتها وذلك للتغطية على إخفاقها…
على انّ هذا الفشل «الإسرائيلي»، ترافق مع ارتفاع ملحوظ في عمليات المقاومة، التي باتت شبه يومية، مما يؤشر إلى نجاح المقاومة في بناء بنية مسلحة درّبت على خوض حرب المقاومة الشعبية المسلحة، وأصبحت تستفيد من ثغراتها وأخطائها الأمر الذي أربك القيادة العسكرية والأمنية «الإسرائيلية»، ووضعها في مأزق حقيقي… وهو ما دفع المعلق العسكري في قناة البث الإسرائيلية روعي شارون إلى الإقرار بتصاعد العمليات الفدائية من جهة، وفشل العمليات الإسرائيلية في الحدّ منها.. حيث قال شارون: «إنّ كلاً من جيش (الاحتلال) والمخابرات الداخلية «الإسرائيلية» (الشاباك)، يقرّان بأنّ تكثيف العمليات العسكرية والأمنية في شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي شملت عمليات اقتحام واعتقالات واسعة وتصفيات، لم تنجح في خفض مستوى العمليات ضدّ أهداف للاحتلال في المنطقة».
في حين أشار شارون في تقرير بثته القناة «الإسرائيلية» يوم الثلاثاء الماضي، إلى أنّ مستوى الإنذارات من تنفيذ المزيد من العمليات تعاظم في الآونة الأخيرة، رغم كثافة العمليات التي ينفذها الجيش «الإسرائيلي». وأضاف أنّ كلاً من الجيش و»الشاباك» يتجهان إلى زيادة وتيرة العمليات العسكرية في أرجاء الضفة وتكثيفها، بهدف احتواء موجة العمليات التي تتواصل.
ولم يستبعد شارون أن ينفذ جيش الاحتلال عملية واسعة في منطقة جنين تحديداً، في أعقاب عملية إطلاق النار التي نفذها مقاومون فلسطينيون، الثلاثاء، في المنطقة والتي أسفرت عن إصابة أربعة جنود ومستوطن.
وقد أقرّ جيش الاحتلال بأنّ عمليات المقاومة في إرجاء الضفة باتت أخيراً أكثر جرأة.
ونقلت قناة «كان» العبرية عن محافل عسكرية «إسرائيلية» قولها إنّ المقاومين الفلسطينيين باتوا يطلقون النار على أهدافهم من مسافة صفر، وفي مناطق تحظى بالحماية العسكرية.. الأمر الذي عكس تطور أداء المقاومة إلى جانب امتلاك الشجاعة في خوض القتال ضدّ جنود العدو والاشتباك معهم… وإيقاع الإصابات المباشرة في صفوفهم.
هذه التطورات تؤكد الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى، انّ تصعيد الاحتلال لاعتداءاته أدّى ويؤدي إلى تأجيج المقاومة المسلحة ضدّ قواته.. وانه كلما اشتدّ القمع والإرهاب الصهيوني كلما ولد ذلك المزيد من ردود الفعل المقاومة.
الحقيقة الثانية، انّ الشباب الفلسطيني بات أكثر انخراطاً في المقاومة المسلحة، لأنّ الاحتلال لم يترك له من خيار آخر، خصوصاً أنّ تجربة المفاوضات والاتفاقات مع الاحتلال لم تؤدّ إلى أيّ نتيجة إيجابية بالنسبة لحقوق ومطالب الشعب الفلسطيني، في وقت تحوّلت السلطة إلى مجرد أداة أمنية، الأمر الذي دفع العديد من ضباط وعناصر الشرطة الفلسطينية الى الانخراط بالمقاومة ضدّ الاحتلال…
الحقيقة الثالثة، تفاقم مأزق سلطات الاحتلال نتيجة فشل عملياتها في إخماد المقاومة، حيث اعترفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية أنه في أعقاب عمليات إطلاق النار المتصاعدة، والتي قُتل على إثرها سبعة «إسرائيليين» منذ مطلع العام، إضافة إلى عمليات عديدة أسفرت عن إصابات وتضرّر مركبات المستوطنين «يستعدّ الجيش لشنّ عملية واسعة في الضفة». غير انّ ما ذكرته الصحيفة ليس جديداً، إذ يهدّد جيش الاحتلال منذ فترة بشنّ عملية عسكرية في الضفة يستهدف فيها كتائب المقاومة في مخيمات نابلس، وجنين، وطولكرم. على انّ ما يزيد من قلق القيادة الأمنية والعسكرية الصهيونية، محاولة فصائل المقاومة «إنتاج أنواع مختلفة من القذائف الصاروخية في الضفة». وهي محاولات «لم تترجم بعد إلى تصنيع وسائل قتالية كبيرة»، بحسب «يديعوت أحرونوت»، التي أضافت أنّ هدف الجيش هو وأد هذه الظاهرة في مهدها، منعاً لتعاظمها… وفي الإطار، لفتت إلى أنّ التقديرات الأمنية تشير إلى أنّ «الجيش الإسرائيلي بات قريباً جداً من شنّ عملية عسكرية واسعة شمالي الضفة»؛ حيث نقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إنّ «الجيش يعمل بشكل هجومي أوسع من السابق في شمال الضفة»، في إشارة إلى تكثيف عملية «كاسر الأمواج» التي أطلقها قبل سنة. ونوّهت إلى أنّ الجيش يعمل «بطريقة محدّدة ومركزة وعنيفة وجراحية»، فيما الهدف من عملية عسكرية واسعة، إذا تمّ إطلاقها بالفعل، هو «جز العشب»، في إشارة إلى تكتيك إسرائيلي يستهدف المقاومين بصورة واسعة لتحقيق الردع…
الحقيقة الرابعة، انّ اعتقاد سلطات الاحتلال انّ فرض مخططه الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، والقضاء على حلّ الدولتين، سوف يؤدّي إلى تحقيق الأمن والاستقرار للكيان الاسرائيلي، إنما هو اعتقاد لا يعدو وهماً، لأنّ مثل هذه السياسة، لن تقود إلا إلى تأجيج المقاومة، وجعل الكيان يواجه واقعاً مماثلاً لواقع جنوب أفريقيا قبل تحررها من نظام الفصل العنصري.. حيث تحوّلت المناطق الفلسطينية الى مناطق مقطعة الأوصال تحيط بها المستوطنات الصهيونية والطرق الالتفافية، فيما مئات الحواجز الصهيونية منتشرة على الطرقات، الأمر الذي يضيق الخناق على الشعب الفلسطيني ويحوّل حياته إلى جحيم لا يطاق، الأمر الذي يدفعه إلى تصعيد مقاومته المسلحة، وبالتالي احتدام الصراع على نحو غير مسبوق.. لذلك فإنّ السياسات الصهيونية لن تتمكن من فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني وتجعله يستكين، بل ستدفعه الى تصعيد مقاومته…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى