نقاط على الحروف

استانة امتحان أردوغان الأول بعد الانتخابات

ناصر قنديل

– انشغلت روسيا وإيران خلال الانتخابات الرئاسية التركية بكيفية مساعدة الرئيس التركي رجب أردوغان على كسب الانتخابات، في ظل وضوح الدعم الغربي للمعارضة التركية التي نجحت بتشكيل تحدٍّ انتخابيّ جدّي لأردوغان، وجرى وضع ملف العلاقات التركية مع سورية في خدمة حسابات أردوغان الرئاسية ليقرر هو تحريك الملف نحو القمة الرئاسية بتلبية شرط الالتزام بالانسحاب الذي وضعه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، إذا وجد أردوغان بحساب الربح والخسارة أن عائدات القمة وما تحمله من إشارة لحصول تركيا على جدولة عودة النازحين وإنهاء تهديد حزب العمال الكردستاني أعلى من كلفة إعلان الالتزام بالانسحاب، أو تأجيل ذلك إلى ما بعد الانتخابات إذا وجد العكس، ولذلك لمس كل متابع لمسار الانتخابات الرئاسية التركية صعوداً وهبوطاً في الحراك التركيّ نحو مقاربة العلاقة بسورية، فكان الحفاظ على خط اللقاءات ما دون الرئاسية، والإيحاء كأن التمهيد يتحرّك نحو لقاء القمة، ثم المضي نحو الانتخابات دون السير بمقتضيات اللقاء، ولم يكن خافياً أن الأمر له صلة بالحسابات الانتخابية، في الصعود والهبوط.
– انتهت الانتخابات الرئاسية التركية وحضر المسار العربي المتسارع نحو سورية، مسجلاً سبقاً بالنقاط على الحراك التركي، بقيادة سعودية واضحة وحاسمة، تحظى بتشجيع ودعم من روسيا والصين وإيران، وتقدّمت المقاربة السعودية نحو ملفات إعادة النازحين وإعادة الإعمار، ومدخلاً لسقوف واقعية للحل السياسي، لا تزعج سورية وتطمئن دولتها، بعكس المقاربة التركية للعلاقة بالجماعات السورية المعارضة الواقفة تحت سقف الأخوان المسلمين. والحركة السعودية بحجم ما يرصد لها من جهود سعودية في العلاقات الدولية، والسعي لتعطيل الفيتو الأميركي والأوروبي، وفتح الطريق لمسار هادئ لكنه واضح، ما يوحي بأن زمن تعافي سورية يتسارع، وأن تركيا لا تملك ترف الوقت لقياس حركتها على إيقاع خاص، أو ربط حركتها بالحركة الأميركية التي قد تفاجئ الأتراك بحسابات جديدة، تترك تركيا مكشوفة في سورية، إذا تسارع التفاهم على الملف النووي مع إيران ومن ضمنه العودة إلى مشروع الانسحاب من سورية، حتى لو بدا حتى الآن أن الموقف الأميركي مغاير لذلك، لأن واشنطن تملك هوامش البعد والأولويات والمكانة، وهو ما لا يتيح أمام تركيا هوامش واسعة للمناورة.
– يضيق هامش المناورة التركية مع استحقاقات تمليها العلاقة التركية بكل من روسيا وإيران وموقفهما من الانتخابات الرئاسية التركية إلى جانب أردوغان، وتكريس كل منهما لنفوذه في ملفات مثل أوكرانيا وأرمينيا ما يتيح لتركيا الإفادة من صناعة دور إقليمي يتيح لأردوغان مخاطبة الداخل بصورة القوة الإقليمية العظمى، فماذا سوف يقول أردوغان لموسكو وطهران عن سورية، وقد انتهت الانتخابات الرئاسية، وفاز أردوغان وشكّل حكومته الأولى، وبات عليه تحديد الأولويات وكيفية مقاربتها، واجتماع استانة الذي بدأ أمس على مستوى نواب وزراء الخارجية، بمشاركة روسية وإيرانية وتركية وسورية، هو امتحان حقيقي لكشف مسار الحراك التركي، حيث قامت موسكو بإعداد خريطة طريق تعتقد أنها تمثل حلولاً وسطى يمكن اعتمادها، أو تعديلها، إذا كانت النيات هي التوصل إلى اتفاق، لم يعد خافياً أن إطاره الأبعد مدى يقوم على ثلاثية، جدولة متزامنة لخطط إنهاء التشكيلات الإرهابية والكانتونات الانفصالية شمال غرب سورية وشمال شرق سورية، وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وهي جداول زمنية يمكن أن تمتدّ لثلاث سنوات في الاتجاهات الثلاثة. وهذا الامتحان بمقدار ما هو امتحان لتركيا ورئيسها رجب أردوغان هو امتحان لكشف حقيقة ما يمثل رئيس المخابرات التركي السابق ووزير الخارجية الحالي، حاقان فيدان، وحقيقة معنى انتقاله من المخابرات إلى الخارجية؛ فهل هو رجل الحل مع سورية، أم رجل تخريب مساعي الحلول في سورية ومعها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى