أولى

لبنان ينصب خيم التحرير في مواجهة «النصب والعدوان الإسرائيلي»

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
مع تمسك لبنان بلبنانية مزارع شبعا ودعم سورية له في هذا الموقف المثبت بالوثائق والخرائط والاتفاقيات، وعجز «إسرائيل» ومعها الأمم المتحدة عن تقديم أيّ قرينة تعاكس الموقف اللبناني ـ السوري الموحّد من لبنانية المزارع، مع كلّ ذلك لم يعد السؤال عن هوية المزارع ولبنانيتها التي حُسمت منذ العام 2000 يوم استمع الوفد الأمم لحجتنا واقتنع بها وتهرّب من الأخذ بها في الميدان حتى لا يُحرج «إسرائيل» بإلزامها بالانسحاب من المنطقة تطبيقاً للقرار 425، بل بات السؤال كيف تحرّر هذه المزارع ويُعاد الحق فيها الى أهله؟
فلبنان معني بتحرير أرضه. والموقف الرسمي اللبناني واضح لا لبس فيه منذ العام 2000 حيث رفض لبنان المسّ بهذه المنطقة التي اعتدت عليها «إسرائيل» واحتلتها بشكل تدريجي بدءاً بعد العام 1967 يوم احتلت الجولان ورغبت يومها بإقفال البوابة الغربية له عبر احتلال مزرعتين في لبنان غربي وادي العسل، الوادي الذي كرّسته لجنة غزاوي وخطيب حدوداً بين لبنان وسورية منذ العام 1946، ثم تتابع لقضم باحتلال بقية المزارع حيث اكتمل العدوان عليها باحتلالها كلها في العام 1978 وفي العام 1974 كانت مدفعية الجيش اللبناني تتصدّى للعدو في كلّ مرة يتحرك فيها عبر المزارع ومن خلالها في ما عُرف يومها «عمليات الشحار والسدانة».
أما الأهالي الذين يتمسكون بأرضهم تلك، فإنهم تشبّثوا بها ولم يثنهم الاحتلال عن استغلال بعض حقوقهم العقارية فيها وهي مثبتة بوثائق عثمانية او لبنانية مسجلة لدى أمانة لسجل العقاري في صيدا او مرجعيون، وهؤلاء ما زالوا على موقفهم المتشبّث بهذه الحقوق وألّفوا من أجل المتابعة هيئة أهلية للدفاع عن حقوقهم هي «هيئة أبناء العرقوب» والتي في صلب أهدافها استعادة هذه الأرض لأصحابها،
ويبقى موقف المقاومة، وهي لا تتدخل في عملية تعيين الحدود وترسيمها، بل تأخذ بما تعتمده الدولة من حدود وتتخذها معياراً للتمييز بين المحتلّ والمحرّر من الأرض، والمقاومة لم تتدخل مع الطرف الرسمي اللبناني في العام 2000، وقد كنت رئيساً للجنة العسكرية اللبنانية التي أناط بها العماد لحود رئيس الجمهورية يومها مهمة التحقق من انسحاب «إسرائيل» من لبنان، بل أخذت المقاومة بما قرّره لبنان بأنّ المزارع لبنانية وأنها تحت الاحتلال الإسرائيلي ويجب تحريرها،
أما الأمم المتحدة التي أناط بها القرار 425 مهمة تسلم الأرض المحتلة من «إسرائيل» وتسليمها للجيش اللبناني الذي له الحقّ بأن ينتشر الى الحدود الدولية بعد ان تنهي «إسرائيل» احتلالها، انّ الأمم المتحدة لم تنكر لبنانية مزارع شبعا وقد أدرج الأمين العام للأمم المتحدة ذلك في تقريره المرفوع الى مجلس الأمن في 22 أيار/ مايو 2000 حيث ضمّنه القول في الفقرة 16 «عرضنا الطلب للبناني (يعني ما يتعلق بمزارع شبعا) على الحكومة السورية فأجاب وزير الخارجية السيد فاروق الشرع موافقاً عليه»، كما تكرّرت المواقف السورية في ذات الاتجاه في كلّ مرة يُثار فيه الموضوع.
بيد انّ الأمم المتحدة التي لا تملك أيّ حجة تواجه فيها الطلب اللبناني المحقّ، ومن أجل إبقاء الاحتلال قائماً في المزارع خدمة لـ «إسرائيل» وربط لبنان بالقرار 242 الذي هو في الأصل لا يعنيه، انّ الأمم المتحدة ممثلة بموفد الأمين العام الى لبنان تيري رود لارسن تهرّبت من إحقاق الحق اللبناني في تحرير تلك المزارع حيث تذرّع لارسن بعدم الصلاحية العملانية لـ «اليونيفيل» في المنطقة وتناسى انّ القرار 425 يفرض خروج «إسرائيل» من كلّ الأرض اللبنانية المحتلة مهما كان وضعها، ومع هذا المنطق الأممي الذي لا يستقيم مع المنطق والقانون، تمسك لبنان بطلبه وانتهى الأمر في العام 2000 إلى تحفظ لبنان على موقف الأمم المتحدة ورفضه للخط الأزرق الذي عرضته ليكون خط انسحاب في للمنطقة ونشأ تفاهم بين لبنان والأمم لمتحدة على إبقاء الوضع الميداني على الأرض كما هو بانتظار إيجاد حلّ نهائي له وهو ما كرّسه القرار 1701 أيضاً بعد حرب 2006 وعدوان «إسرائيل» فيها على لبنان.
وعليه يكون الوضع في مزارع شبعا قد رسا على المشهد الذي يتضمّن ما يلي: مزارع شبعا لبنانية وتحتلها إسرائيل وتدّعي الامم المتحدة بأنّ الصلاحية العملانية فيها هي لقوات فضّ الاشتباك في الجولان (UNDOF اندوف) وليس لقوات (UNIFIL يونيفيل) العاملة في لبنان وانّ لإسرائيل في هذه المزارع ثلاثة مواقع عسكرية وقد التزمت الأمم المتحدة بمراقبة الوضع فيها دون ان يطوّر الاحتلال او يتوسّع بانتظار حلّ يستجيب للطلب اللبناني بالتحرير، وهذا ما كرّس في القرار 1701 الذي للأسف لم تضطلع الأمم المتحدة بما أنيط بأمينها العام وقوات اليونيفييل معه لمعالجة القضية،
استمرّ الوضع في مزارع شبعا على الصورة المتقدمة، وكانت المقاومة من لبنان تقوم بين الحين والآخر بعمليات ميدانية «تذكيرية» لحث الأمم المتحدة على الوفاء بالتزاماتها والتأكيد على انّ لبنان لن ينسى أرضه المحتلة وأنه عاقد العزم على تحريرها، لكن «إسرائيل» التي حافظت على الوضع المذكور منذ العام 2000 على ما هو عليه انقلبت في العام 2023 واتجهت في مسار سلوكي معاكس حيث انها أقدمت على إجراء إشغال وتحصينات في المزارع توحي بتطوير الاحتلال ونية الضمّ، مترافقة مع مدّ سياج تقني حول الغجر اللبنانية المحتلة منذ العام 2006 وأوحت بأنها اتخذت قراراً بضمّ المنطقة تلك من الغجر الى المزارع، في موقف يذكرنا بخريطة ترامب التي أعلنها في معرض الإعلان عن صفقة القرن والتي ضمّ فيها الجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية الى «إسرائيل»،
في مواجهة هذا السلوك الإسرائيلي العدواني قام الأهالي والمقاومة في لبنان وبحضور مؤثر للجيش اللبناني بنصب خيمتين على أرض لبنانية في مزارع شبعا في مواجهة أحد المراكز العسكرية الثلاثة في المنطقة، في رسالة واضحة لـ «إسرائيل» وكلّ من يعنيه الأمر بأنّ لبنان لن يسكت على تغيير للوضع القائم في المنطقة ولن يقبل بقضم الأرض وضمّها، واليوم نصب خيم في أرض لبنانية تدّعي «إسرائيل» انّ الخط الأزرق الأممي كرّس احتلالها لها، وغداً سيكون ما هو أهمّ دون الخشية من أيّ مواجهة عسكرية قد تحصل،
خيمتا لبنان في مزارع شبعا اللبنانية ـ وهما فعل رمزي للتمسك بالحق في التحرير ـ أثارتا «إسرائيل» التي هدّدت وأزبدت وأرعدت لكن لبنان بجيشه وشعبه في المنطقة ومقاومته الساهرة… جميعاً لم يكترثوا للتهديد الإسرائيلي، فتدخلت الوساطة الأميركية لترسي معادلة مضمونها: «نزع الخيمتين مقابل وقف ضمّ الغجر» مع بقاء الاحتلال فيه، وهنا نردّ ونقول إذا كانت أميركا جادة في منع الصدام وتقديم الحلّ فعليها احترام السيادة اللبنانية وتطبيق القرارات الدولية بدءاً بالقرار 425 الى القرار 1701.
فتطبيق القرار 425 يفرض تحرير الجزء اللبناني من الغجر وانسحاب «إسرائيل» منه بالكامل ولا يكفي مجرد القول بوقف الضمّ مع بقاء الاحتلال فهي مزحة سمجة، أما القرار 1701 فيكون تطبيقه عبر التسليم بلبنانية المزارع وإناطة الصلاحية العملانية فيها باليونيفيل ويعقبها انسحاب إسرائيلي الى الحدود اللبنانية مع الجولان السوري المحتلّ وهي خط وادي العسل، ما يعني انّ الحلّ القانوني والحقوقي والوطني الذي يمكن ان يقبل به لبنان هو تحرير الغجر اللبنانية ومزارع شبعا وكفر شوبا، تحريراً يتمّ بتطبيق القرارات الدولية، وانْ لم يحصل فإنّ لبنان وعملاً بمعادلة القوة التي أرساها (جيش وشعب ومقاومة) قادر اليوم وغداً على تحرير تلك الأرض كما حرّر ما سبق. أما التهويل والتهديد بالقوة وبالحرب فإنها لا ولن تخيف لبنان المقاوم الذي عرف كيف يواجه ويحصل حقوقه.
*أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى