أولى

روسيا وهزيمة الأميركيين في سورية وليس في أوكرانيا

منذ بدء حرب أوكرانيا، والمعادلة الروسية التي حكمت التعامل مع الوضع في سورية، تتركز على بذل الجهود لضمان استقطاب تركيا، سواء وفق حسابات ما تمثله تركيا في معركة روسيا مع الناتو، أو ما تمثله في حسابات البحر الأسود ومع أوكرانيا، أو بحسابات اتصال استقطاب تركيا وتأثيره على المشهد في سورية، وحشر الأميركي في زاوية صعبة، طالما أن الاستقطاب يجري تحت سقف مصالحة سورية تركية تراعي معايير السيادة السورية.
بذلت موسكو لإنجاح هذه الاستراتيجية الكثير من الجهود، وقدّمت لتركيا الكثير من الحوافز وعناصر التشجيع، لم تكن صفقة الحبوب أهمها، فما حصلت عليه تركيا منذ القمة الروسية التركية الإيرانية في طهران في 19 تموز العام الماضي، أي قبل سنة تماماً، يتضمن مكاسب هائلة مالياً واقتصادياً، لكن ما جرى خلال الأيام التي رافقت وأعقبت قمة الناتو فتح عيون موسكو على مخاطر تلاعب تركي بعناصر التوازن، سواء عبر الإفراج دون موافقة موسكو عن مقاتلي كتيبة آزوف الأوكرانية، أو تعديل شروط قبول تركيا لقبول انضمام السويد إلى الناتو، وما رافق ذلك عن تفاوض على ضمّ تركيا للاتحاد الأوروبي، ورفع العقوبات الأميركية أو تخفيفها، والعودة لصفقة تزويد تركيا بالطائرات الحربيّة.
لن تجازف موسكو بدفع تركيا إلى أحضان خصومها، خصوصاً أنها تعتقد بأن الوعود الغربية، خصوصاً لجهة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي دونها عقبة جوهرية تتصل بالعقل الغربي العنصريّ الذي لا ينظر إلى انضمام تركيا إلا بصفته اضافة لمئة مليون مسلم إلى خمسين آخرين في دول الاتحاد، لكن موسكو بدأت تعيد النظر بالكثير من التسهيلات والمكاسب التي منحتها لتركيا، مثل الفيتو الروسي على تجديد قرار دخول المساعدات الأممية إلى إدلب، والمساعدات عملياً تمويل لجماعات تركيا في سورية والكانتون الذي يقيمونه في إدلب، ثم وقف العمل باتفاقية الحبوب التي منحت تركيا عائدات مالية ومكاسب سياسية دون أن تكسب منها روسيا شيئاً، مع تحقيق أي تقدم مرجوّ في مجال تسهيل الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة.
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه على جدول الأعمال الروسي، مع التصعيد الذي تشهده الحرب في أوكرانيا، بتمويل وتسليح أميركي، هو أن الحرب لن تتوقف طالما أن كلفتها على الأميركيين ليست الا مالاً وسلاحاً، وطالما أنه عندما تجفّ الموارد البشرية الأوكرانية، يمكن الزجّ بمرتزقة ومتطوعين من بولندا ولاتفيا وليتوانيا وسواها من متطرفي أوروبا، بينما في سورية يتمركز الأميركيون مباشرة، وهزيمتهم ممكنة، والحرب التي يريدون تفادي الانزلاق نحوها في أوكرانيا لا يرغبون بالتورط فيها في سورية، ومن سورية يمكن جلبهم إلى طاولة التفاوض الشاملة على ترسيم التوازنات والخرائط.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى