أولى

قضيّة الحرية

‭}‬ مأمون ملاعب
الحرية قيمة إنسانية كبيرة في أيّ مكان وعلى مرّ التاريخ، لطالما قدّم لها الإنسان التضحيات وجسّدها في رموز ولوحات وكتب لها القصائد والأغنيات. الحرية كلمة جميلة ترتاح لها النفوس وتضحك لها القلوب دون الغوص في مفهومها وحدودها، هي قيمة إنسانية يحدّد مفاهيمها الإنسان.
الجماعة، على اختلاف وتنوّع أشكالها، تريد الحرية في إطار مزاياها ومشاركة قيَمها ومثلها العليا مع الإنسانية. للقبيلة نظام وطقوس وعادات، للطائفة شعائر وطقوس، للمدينة أو القرية قيَم وعادات، للمجتمع شخصيّة وقيَم ومثل.
قدموس، رمز القيم الكنعانية، معلم للإنسانية، خير معطاء وما أوروبا إلا شقيقة قدموس، وهذه كريت ومالطا، وقرطاجة، ومرسيليا شواهد على حرية خوض الصراع وشقّ البحار من أجل الخير لإنسانية ذلك الزمان.
عالم يقرأ أبجد هوز ويكتب بالحرف والرقم الكنعاني. حين حاول الاسكندر فرض إرادته على صور وتدنيس كرامتها مارس الكنعانيّون حريتهم بشكل آخر واتخذوا الخيار الصعب.
مارس السومريون ومن ثم البابليون مثلهم وطقوسهم فكان عيد القيامة أول الربيع، والسبعة مقدسة وأسبوعهم سبعة أوله شمس وثانيه قمر. وضعوا الشريعة الأولى والقانون الأول فمارسوا حريتهم بكفاءة، واليوم تحيا الإنسانية في ظلّهم.
قامت المسيحية على المحبة المطلقة والخير المطلق بعيداً عن الذات الفردية، وقام الإسلام على: «أهدنا الصراط المستقيم»، و»إنّا أرسلناك هدًى للعالمين».
في القبيلة أو المدينة، في الدولة أو في المجتمع، في المذهب أو في الدين تتراجع الحرية الفردية إلى أدنى مدى ممكن وتتقدّم حرية الجماعة إلى أقصى مدى.
كلّ الأنظمة وكلّ القوانين وكلّ الشرائع وُجدت لتنظيم المسموح والممنوع، لتنظيم حرية الجماعات والأفراد وتضع العقوبات وسيلة لردع المخالفين، فأين هي الحرية الفردية إذن؟
يُقال إنّ الإنسان يولد حراً… غير صحيح. المولود لا يختار والديه ولا منزله ولا وطنه ولا حتى اسمه ولا لون ثيابه. الفرد ضمن الجماعة مقيّد بنظمها وأعرافها، أخلاق الفرد شأن مكتسَب وموروث من ضمن الأخلاق والقيم العامة. تكمن الحرية لدى الجماعة باختيار القيم والأخلاق، أما الخروج أو الجنوح عند بعض الأفراد يصيب الجماعة بالأذى.
صحيح أنه أحيانا ينطلق أفراد أو تنشأ هيئات من أجل تغيير في النظام أو الأعراف، وهذا حراك طبيعيّ لا يقوم على فراغ ولا يستهدف الفوضى. إنه طبيعي طالما هو داخلي يسعى للخير من ضمن مصلحة الجماعة حتى لو اتخذ من الصراع وسيلة.
مع الحضارة الغربية المعاصرة تحوّلت قضية الحرية الى سيف بحدّين. اقتصرت على المطالبة بحرية الفرد ضمن فوضى المفاهيم. والحدود تقلّصت أو غابت المفاهيم الراقية المقدسة لحرية المجتمع فسقطت الحرية من جبروتها إلى سلعة رخيصة ومن عليائها إلى مستنقع المصالح الخبيثة. خسرت جمالها الأخاذ لصالح معوق شاذ قبيح وغادرت بيادر الخير إلى زواريب المنفعة الخبيثة والأهداف الدنيئة ذات الرائحة النتنة. لم تبق الحرية حمراء بل تلوّنت مثل قوس قزح وبابها لا يدقّ بيد مضرجة بل بيد ناعمة مغلفة بالمساحيق مثل وجه صاحبها.
هل يُعقل أن تنزلق حرية التعبير من كلمة في وجه الطغاة أو الفاسدين من كلمة ضدّ الظلم إلى عبارات التكالب والوضاعة دفاعاً عن عدو أو تغطية لدناءة؟
هل من المقبول تبرير الخيانة والعمالة باسم الحرية؟ هل تحررت الإنسانية جمعاء من الاحتلالات والاضطهادات والجوع والفقر والآلام؟ وهل وضعت حلاً لتدمير البيئة ولم يبقَ لها مشكلة إلا «حقوق» الشواذ؟
هل تظنّ تلك الدول أنها بتجاهلها القضايا الإنسانية الكبيرة تستطيع طمسها؟ أو أنها بخلق فوضى جديدة ومحاولتها ضرب الرقي الإنسانيّ عبر ضرب الأسر والقيَم والأخلاق أنها تدفن جرائمها بحق الإنسانية؟
إنكم تخالفون الطبيعة بقوانينها وتحاربون الإنسان بإنسانيته وهذا وهم ولو تراءى لكم أنه ممكن. العالم يقوم وبقيادة جديدة مشرقيّة ستعيد إلى البشرية إلى طبيعتها وتقضي على أهدافكم الملعونة…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى