أولى

التطبيع بين «الرجعية العربية» والكيان الصهيوني…!

‭}‬ د. جمال زهران*
خرجت الأمور من مسألة الهمس والتلاسن، إلى مربع التصريح العلني، بل والرسمي، في مجال تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني.
وكان لحديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقناة «فوكس» الأميركية، الذي اعتبره البعض بمفاجأة كبرى، على عكس ما رأيته وكتبته، وقع الأثر في الإفصاح التامّ عن مشروع التطبيع بين «مملكته»، وبين الكيان الصهيوني، حيث أكد على موافقته التامة – وقد أضحى صاحب القرار الفعلي في شؤون مملكة الأسرة الحاكمة في السعودية – على اتخاذ الإجراءات التنفيذية للتطبيع، والدفع بها إلى الأمام، والحجة والمبرّر، أنّ ذلك من شأنه تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني! ومن أسف أنّ هذا الإعلان من جانب واحد، وهو الطرف السعودي، غير مشروط، على الإطلاق!
والسؤال هنا هو: ما هي الدوافع لهذا القرار السعودي، على لسان الأمير، وتداعياته الخطيرة وتفسيراته…؟
ولا شكّ في أنّ هذا القرار الأحادي من جانب السعودية، هو تتويج لاتصالات، وتحضيرات مسبقة كبيرة، وأفصح عنها الجانب الصهيوني، للإعلان عن مكاسبه السياسية، وللفضح العام، والتوظيف لذلك، في التأثير على الأطراف العربية الأخرى، لنشر التطبيع من جانب، واكتساب «شرعية الوجود» للكيان الصهيوني في المنطقة العربية، حتى ولو كان المدخل هو، النظم الحاكمة، التي لا تستند إلى قواعد شعبية حقيقية، بل يحكمون بالحديد والنار، واستخدام أدوات القوة في قهر الشعوب ومنعها من التعبير عن رأيها في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
فلا يمكن أن ينسى لقاء ثلاثي بين نتنياهو ومحمد بن سلمان، ورئيس دولة عربية ثالثة، في منطقة «نيوم» السعودية، وأجريت محادثات بين الثلاثة، وأفصح عنها «النتن ياهو»، كعادته وعادة الصهاينة عامة، رغم الاتفاق على سرية اللقاء. إلا أنّ المملكة لم ترد، تكذيباً أو موافقة، وكأن الأمر لا يعنيها، وتركتنا كمحللين للمعلومات الصادرة عن الكيان الصهيوني، حتى أنّ الدولة الثالثة المشاركة في اللقاء، لم تفصح عن شيء، ذلك اللقاء كان هو الأول، في مشوار التطبيع بين السعودية وبين الكيان الصهيوني. فضلاً عن القبول السعودي، للتطبيع الكامل حتى تبادل البعثات الدبلوماسية والزيارات الرسمية على أعلى مستوى بين البحرين والكيان الصهيوني. والمعروف أنّ القرار في البحرين يتمّ إعداده وطبخه داخل السعودية، ولا يتبقى للبحرين إلا إعلانه فقط! فضلاً عن القبول السعودي، لإقامة العلاقات بين الإمارات والكيان الصهيوني، وعدم الاعتراض مطلقاً، بل ومباركتها. في الوقت ذاته أخّرت نفسها إلى وقت أكثر ملاءمة، وهو الذي يحدث الآن! فضلاً عن دعمها لنظام الحكم في السودان، بقيادة البرهان، لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلى حدّ تقديم مساعدات كبرى للسودان، دون أن ننسى أنّ هناك وحدة كبيرة من الجيش السوداني، تشترك مع القوات السعودية في عدوانها على اليمن، وعلى الشعب اليمني، وتدمير كامل للبنية التحتية في اليمن، دون سبب، إلا محاولة إثبات الذات وإبراز الدور القيادي للمملكة في الإقليم، واستمرار إحداث القلاقل في المنطقة، وتحقيق مصالح استراتيجية في الموانئ اليمنية، بالتشارك مع الإمارات! فضلاً عن محاولة إحكام السيطرة على دولة اليمن، لإبعادها عن محور المقاومة!! ومثل هذا التشارك السوداني/ السعودي، المشترك في العدوان على اليمن، من شأنه تقديم المساعدات السعوديّة، للتوجّه ناحية التطبيع الذي لم يصل بعد، إلى حدّ إقامة العلاقات الدبلوماسية، مثلما حدث في دولتي البحرين والإمارات، بسبب وجود معارضة سياسية نشيطة وقوية لدى غالبية القوى السياسية في السودان، للتطبيع.
خلاصة هذه النقطة، أنّ السعودية، في عهد سلمان ونجله، كانت ترتب لبرنامج التطبيع مع الكيان الصهيوني، باللقاءات السرية غير المعلنة، وكشف عنها الطرف الصهيوني، وبالتشجيع للبحرين والإمارات، فضلاً عن السودان، وربما لو استطاعت لدفعت بالمجلس الرئاسي لليمن، والمعيّن من طرفها، أن تدفع به للتطبيع، حتى جاء موعد التطبيع المباشر للسعودية، في ظلّ متغيّرات إقليمية ودولية! واستهدفت السعودية، من وراء هذا التأخير تحقيق مكاسب أكبر لها، في إطار المساومات مع أميركا، عبر الرضى الصهيوني، على نظام محمد بن سلمان (وريث والده الملك سلمان)، وتمكينه من اعتلاء العرش!
وبالملاحظة فإنّ محمد بن سلمان، بادر إلى عودة العلاقات مع إيران، عبر المفاوضات مع الصين، أو برعاية شرقية (الصين وروسيا)، وتهدئة الصراع معها، وانعكاسات ذلك على قضايا الإقليم في سورية، التي استعادت مقعدها في الجامعة العربية في مايو/ أيار الماضي (2023)، وفي لبنان (ولا يزال الأمر معلقاً)، وفي اليمن (ولا تزال المفاوضات مستمرة)، وآخرها في العاصمة العُمانية (مسقط)، مع التهدئة في المواجهات العسكرية، وفي العراق أيضاً. إلا أنّ السعودية مقابل ذلك، تعرّضت لضغوط أميركية وصلت إلى حدّ التهديد بقلب نظام الحكم، وعدم قبول تولية محمد بن سلمان، خلافة والده في منصب «الملك»، أيّ اعتلاء العرش! وتحريك الأمور في محور الشمال (لبنان/ سورية/ العراق)، لإفساد المصالحات التي تمّت، وضرب المطالبات بخروج القوات الأميركية، ولا تزال المؤامرة الأميركية مستمرة، أوضحها ما يجري على أرض «السويداء»!
فماذا كانت النتيجة؟! حيث تمخّضت نتيجتان، عن جملة الضغوط والتهديدات الأميركية على السعودية، لاستمرار تبعيتها لأميركا كحليف رئيسي وقائد في الإقليم، تحت الهيمنة الأميركية، وهما: الأولى القبول بالمشروع الأميركي ضدّ الصين، بتسيير «ممر بايدن»، الذي يربط بين (الهند – الإمارات – السعودية – الأردن – الكيان الصهيوني – أوروبا)، وسبق شرح ما وراء ذلك.
أما النتيجة الثانية: فهي القبول بالتطبيع الرسمي للسعودية مع الكيان الصهيوني.
وتأكد بالتالي أنّ السعودية، قائدة الرجعية العربية، وراعية المصالح الأميركية والصهيونية في الإقليم. ولا يمكن خروج الأسرة الحاكمة عن دورها المرسوم في تخريب الإقليم والحيلولة دون تكامله ووحدة الشعب العربي. ويتأكد معه، ما قاله عبد الناصر دوماً – وفي ذكرى رحيله الـ (53) – أنّ أعداء الأمة العربية (الاستعمار – الصهيونية – الرجعية العربية)، ومن ثم ستظلّ السعودية، حارسة الاستعمار والصهيونية، وأداته في تحقيق مصالحهما، ومعهما مشيخات الخليج الوراثية!.. وللحديث بقية…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس – مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى