مقالات وآراء

يا نجوم لبنان… أعيدوا النظر بأجوركم

منجد شريف

تشهد بورصة الحفلات في لبنان، منافسة قاسية بين متعهّدي الصف الأول من النجوم، وبات التكسّب من هذه المهنة محفوفاً بمخاطر جمّة، فقد أدّت تلك المنافسة إلى مزاد بكلّ معنى الكلمة، وصار نجوم الصف الأول يرفعون من أجورهم بسبب كثرة العروض على ذات التواريخ والمناسبات، ومنهم من صارت شروطهم تعجيزية إلى حدّ أنهم يريدون صالات تفصّل لهم شروطهم الخاصة، والتي تؤثر حتماً على قدرة المتعهّدين في الاستقطاب لأنّ شروط الزبائن على حفلات النجوم مشروطة أيضاً بمعرفة تقديمات الحفل من طعام وشراب وخلافه، وبين الشروط المتضادة يقع المتعهّد في حيرة من أمره، لا يحلّها إلا الإغراء المادي فصارت أجور النجوم في عنان السماء تحلق في ارتفاع تصاعدي غير موضوعي، إذ لا يعقل أن يتقاضى الفنان مبلغاً معيّناً في النوادي الليلة، ثم يطلب أضعاف أضعافه في مكان آخر في المدينة نفسها، ما جعل ضحايا هذا التناقض في الأجر كثراً من المتعهّدين الجدد من الذين لا سابق تجربة لهم على هذا الصعيد.
أما نجوم الصف الأول فصاروا حكراً على متعهّدين معيّنين بالإسم، وعلى سبيل المثال هناك نخبة من نجوم الصف الأول لا تنظر إلى الأجر بل إلى أسماء معينة من المتعهّدين، وهذا ما يحفزهم لطلب أجور قياسية من بقية المتعهّدين، عملاً بالقول: “إذا أردت ألا تزوّج ابنتك علّي مهرها”، ومن أجل إشاعة الأجور الوهمية التي يطلبونها حتى يصبحوا في قائمة النجوم الأكثر ثراءً، بينما حقيقة الأمر عكس ذلك.
وبين حسابات البيدر والحقل هناك حقيقة لا يعلمها إلا الفنان ومتعهّده والمقرّبون منهم على قاعدة “خبريّتنا بين بعضنا”، لكن تلك الخبرية فاحت رائحتها، كما حصل في حفلات الأضحى الماضي، إذ تسرّبت وانتشرت الأخبار عن كوراث الحفلات خلاله، وكانت تحدّياً بين كلّ المتعهّدين والنجوم في لبنان، وحلّت بدل الأجر فتاوى بين عدد من المتعهّدين والنجوم من أجل الخروج بحلول مقبولة، ولو من عنق الزجاجة، على قاعدة لا ينكشف الفنان ولا يفنى المتعهّد!
أصبح تعهّد الحفلات محصوراً في فئة معينة من المتعهّدين من الذين لهم مكانة الحظوة عند الغالبية من نجوم الصف الأول ما عدا قلة ما زالوا يتركون الفرصة لغير متعهّدين لدخول المعترك والتعاون معهم من أجل عدم احتكارهم في حفل أو حفلين سنوياً، واللافت في هذه المهنة في لبنان ضيق السوق وكثرة النجوم ما جعل من التعهّد مبارزة بين الفنانين بين بعضهم البعض مع نجوم معيّنين، والخاسر الأكبر هو المتعهّد الصغير الذي يتعب على عمله ويجهد منذ اليوم الأول لتوقيع العقد على نجاح الحفل حضوراً وتنظيماً وجودةً، ليجد ربحه “لمية بالصينية” بالتعبير المجازي، إذ جراء المبالغة بالأجور والتكاليف على أنواعها يجد ربحه إذا هو إستطاع موازنة المدخول مع المطلوب، ويكون أقصى ربحه أن يمون في حسم جزء بسيط من المدفوعات كي يخرج سالماً من دون أن يدفع من جيبه شيئاً…
هذا ما جعل غالبية الحفلات في لبنان غير مربحة إلا ما ندر، ويعزو السبب إلى أنّ الجميع نسيَ أننا في أزمة، ونسبة الناس المقتدرة على أجواء السهر والبطاقة الباهظة محدودة، فكانت ظاهرة تامر حسني وعمرو دياب انقلاباً جعل الجميع يطمحون لإحياء حفلات مماثلة، وبعدما انتشرت الأرقام التي تقاضاها النجمان، جعلت نخبة من الصف الأول ترفع أجورها وتطلب ذات الشروط، وهذا ما ستشهده حفلات رأس السنة، فمقابل حفل وائل كفوري حفل لملحم زين ورحمة وناصيف زيتون في الفوروم، حفلة مقابل حفلة، وفي الليلة التي تسبق رأس السنة وفي المكان نفسه كاظم الساهر مقابل شيرين عبد الوهاب، وأيضاً حفلة مقابل حفلة، بينما هناك متعهّدون مستترون خلف متعهّدين صغار يموّلوهم ليحيوا حفلات بوجه تلك الحفلات ليحجزوا دوراً في قائمة المتعهّدين الكبار والواجهة لهم لصوص ظرفاء صاروا من الأسماء الكبيرة في عالم التعهّدات بينما تسمية اللص الظريف ألقابهم بين النجوم وأبناء المهنة لذا لا يلبث أن تفوح روائح خلافاتهم مع النجوم والصالات ليعودوا وينظموا الحفلات لذات النجوم في نفس الصالات هذا ما أكسبهم لقب “اللص الظريف” لأنّ ظرافتهم تخوّلهم على الرغم من لصوصيتهم في التعاون مع ذات النجوم والصالات، وهذا ما سيحوّل كلّ الصالات في لبنان حكراً على فئة معينة من المتعهّدين والنجوم، وإلى بورصة من الحفلات ذات الأرقام الخيالية، ومعركة تكسير رؤوس في سوقٍ ضيّق لا يحتمل كلّ هذه المنافسة ولا تلك الأرقام الخيالية التي يتقاضاها النجوم، فما هدف تلك المعركة المستترة بين المتعهّدين والنجوم وحده الله كان يعلمها، وفي أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
حقاً انّ لبنان يجب أن يصبح من عجائب الدنيا الثماني بدل السبع، ففي الحرب لم يتأثر وفي السلم وفي الأزمات، إنه بلد العجائب والغرائب أو ربما أبناؤه من نوعية شمشوم الجبار الذي لا يتأثر بشيء…
عود على بدء، بين المتعهّد والفنان فجوة إسمها المنطق يجب على الفنان أن يراعيها، وأن يترك المجال للتنوع في أسماء المتعهّدين، لأنّ الحصرية لها مفاعيلها السلبية إنْ لم يكن عاجلاً فآجلاً، فالكمّ يخلق الكيف ولا يجدر أن تكون الساحة لثلاثة أو أربعة أسماء من المتعهّدين حصراً، لأنّ ذلك سيسبّب الإحتكار الذي مهما كان جيداً إلا أنّ عواقبه وخيمة عند ذهاب البَريق، والأمثلة على ذلك كثيرة…
فـ يا نجوم الصف الأول في لبنان أعيدوا النظر بأجوركم، لأنّ الأسواق لا تلبث أن تنفيكم إنْ ليس عاجلاً فـ آجلاً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى