أولى

انتصاران

‭}‬ معن بشور
مع دخول حرب «طوفان الأقصى» يومها العاشر من حقنا أن نعتزّ بالانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي حققه في السابع من أكتوبر/ تشرين اول 2023 بواسل حماس والمقاومة الفلسطينية، والذي أذهل الصديق قبل العدو، والذي يمكن اعتباره محطة تحوّل كبرى في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيو – أميركي.
اما الانتصار الثاني الذي واكب الانتصار الكبير فهو في «الطوفان البشري» الذي ملأ معظم عواصم الأمة والعالم، حين خرجت الملايين من اليمن الى الأردن، ومن العراق الى المغرب، ومن إيران الى تركيا، ومن آسيا الى أوروبا، ومن أميركا الى أستراليا، تعلن اعتزازها بهذا الانتصار وبالصمود الأسطوري لأهلنا في غزة رغم كلّ ما يواجهونه من إجرام ووحشية فاقت مثيلاتها التي شهدها العالم منذ عقود بما فيها وحشية الهولوكوست النازية التي يبدو ان من استغلّ وحشيتها بالأمس يمارس ما هو أفظع منها اليوم.
وبقدر ما كان الانتصار ثمرة تخطيط وإعداد وتجهيزات استمرّت فترة طويلة في إطار كتائب عز الدين القسّام ومحور المقاومة، فإنّ الانتصار الثاني ما كان ليتحقق لولا تنامي منطق عنوانه «فلسطين تجمعنا» رغم كلّ ما شهدته أمتنا من صراعات ونزاعات بين تيارات وأحزاب وقوى وقعت في فخ تغليب الخلافات الثانوية على التناقض الرئيسي…
وكما حمل أبطال المقاومة ومحورها رسالة الوحدة بين مكونات المحور متجاوزين كلّ الأفخاخ والعصبيات والإغراءات التي سعت الى الإيقاع بينها، نجح أصحاب المنطق الوحدوي الجامع الذي عبّرت عنه المؤتمرات والمؤسسات المنضوية تحت لواء «المؤتمر العربي العام» والداعية لبناء كتلة تاريخية تجمع بين تيارات الأمة القومية منها والإسلامية واليسارية والليبرالية الوطنية والمؤمنة بمشروع نهوض عربي بوصلته فلسطين وتحريرها من البحر الى النهر.
لقد أكّد حمَلة مشروع تجميع قوى الأمة أنه يمكن لقوانا المقاومة أن تعمل معاً على ما تتفق عليه، وتعذر بعضها بعضاً في ما تختلف عليه، وتدخل الى مواقع الاختلاف والتباين بينها من نقاط الاتفاق والتلاقي لتعالج الخلافات بروح وحدوية مترفعة عن الاعتبارات الطارئة والعصبيات الضيقة، بدلاً من أن تسمح للخلافات ان تدخل نقاط التلاقي وتدمّرها…
بالطبع لم يكن من السهل على دعاة الكتلة التاريخية تحقيق أهدافهم في جمع كلمة الأمة على مواجهة أعدائها، لا سيّما بعد الانقسام الحادّ الذي أوجدته أجواء وفتن رافقت ما يسمّى «بالربيع العربي»، لكن تصميم هؤلاء الدعاة، واتضاح الطبيعة العدوانية لمشروع الأعداء مكنّاه لمنطق تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الفرعي، فكان محور المقاومة، وكانت انتصاراته في أكثر من مجال، لا سيّما على أرض فلسطين المباركة ودفاعاً عن مقدساتها وأهداف شعبها الوطنية والتحررية والإيمانية، وهي انتصارات لا تقلّ مسؤولية حمايتها اليوم، فكرياً ونضالياً وسياسياً، على كلّ من يحمل همّ انتصار الأمة على أعدائها، فنحرر خطابنا السياسي من مفردات التناحر وإحياء التناقضات القديمة وإذكاء الصراعات الجانبية بين قوى التحرر التي طالما جمعتها جبهات وملتقيات ومؤتمرات طيلة سنوات ما قبل ما يسمّى «الربيع العربي»، حتى انّ كثيرين لم يكونوا قادرين آنذاك على التمييز بين من هو قومي عربي أو إسلامي أو يساري أو ليبرالي وطني من خلال كلماتهم أو مقالاتهم أو مواقفهم.
انّ انتصارنا اليوم في غزة، وغداً في عموم فلسطين، وبعد غدٍ على مستوى الأمة، وبعدها على مستوى العالم، إن شاء الله، لن يتمّ إلاً اذا انتصرنا داخلنا على منطق التناحر والانقسام والشيطنة ونبش جراحات الأمس وإذكاء نيران خلافات الماضي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى