أخيرة

دبوس

وينكم…؟

صرخة أطلقتها طفلة فلسطينية عايشت بكلّ جوارحها الألم والتأسّي، الموت وفقدان الأم والأخت والطفل الرضيع، وبعض آخر من العائلة ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، صرخت من فرط الوجع، وينكم؟ صرخت تستدعي الأعراب وهي تظن، المسكينة، أنهم ما زالوا عرباً، ولم ينمُ الى معرفتها أنهم، ومنذ مئات السنين غدوا أعراباً أقحاح، ليس في سريرتهم ذرة من الكرامة، تتدفق في عروقهم مادة تشبه الدم، ولكنها في واقع الحال، خليط من سائل يقتل الانتماء، وسائل آخر يحوّل الذات إلى كتلة من الغرائز والرغبات الشاذة المارقة، ويقتل في ذاته الإحساس والمروءة والرجولة، ويدكدك أيّ نزعة من بقايا الماضي نحو الشعور بآلام الآخرين واوجاعهم، جسد محايد مفعم بالأنانية يسير على قدمين، ثم يجثو على ركبتيه وضيعاً ذليلاً للسيّد الذي يلقمه قوت ذاته القابضة، ويدغدغ غرائزيته وحيوانيته الآثمة…
أيتها الطفلة الحبيبة، ستصبحين ذات يوم أمّاً ماجدة كمثل أمهات فلسطين الماجدات، وستدركين شيئاً فشيئاً أنّ هؤلاء الذين أطلقت صرخات النداء والاستغاثة والعون بهم شخوص أخرى غير تلك الشخوص التي ملأت صفحات التاريخ عزة وبطولة وإيماناً وانبعاثاً، هؤلاء الذين جنح بك الأمل والألم الصارخ نحو التباعث تأمّلاً في ان ينصروك ويرفعوا عنك الضيم والأنقاض والتوحش، هم أنفسهم من تتماثل رغباتهم المريضة مع بني صهيون في العمل الدؤوب لقتل ايّ ذرة او خلية فينا تنتفض مقاومة وممانعة لجبروتهم ونشازهم وخروجهم عما تتطلع اليه المجاميع المستضعفة من الخلاص والانعتاق،
ستنذهلين أيتها الحبيبة حينما يتنامى الوعي لديك بأنّ هؤلاء الذين استصرخ الوجع الماحق من أعماقك بقايا من شهامة قد ترجى منهم، قد تواطأوا وتشاركوا وانخرطوا في مشروع القتل والإبادة لشعبنا الصامد كالجبال الشامخة في غزة…
سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى