ثقافة وفنون

«صفر المسافة» عمل فني يحاكي بطولات غزة/ الكاتب نبيل عبد الساتر لـ»البناء»: نعيش على حافة النار بجوار عدو مجرم والفن الذي لا يحاكي قضايا الشعوب المحقة ليس بفن

 

 

‭}‬عبير حمدان
المقاومة لا ترتبط بالميدان العسكري وحسب إنما هي ثقافة شعوب حرّة رافضة للظلم الذي يمارسه المحتل ومن يدعمه بشكل مباشر، وكذلك من يصمت عن جرائمه بذريعة «الدبلوماسية المعتدلة».
والفن جزء من المعركة بحيث تأتي الكلمة الى جانب اللحن بشكلها الحماسي والهادف كوسيلة مؤثرة بشكل كبير فلا أحد مهما كان جبروته العسكري مدمراً قادر على قتل الفكرة والأغنية واللحن فكيف إذا كانت الفكرة من وحي الواقع ومن صميم المشاهد التي يتم توثيقها عن بطولات حيّة لرجال تمكنوا من تصويب البوصلة بأيديهم القابضة على الزناد مقلصين المسافة إلى نقطة الصفر.
ما تشهده غزة لا بل فلسطين وكذلك الجنوب اللبناني يتطلب إلى جانب التوثيق الإعلامي والعسكري توثيقاً فنياً يلفظ كل التسطيح الفني الفارغ من اي مضمون.
يعتبر الكاتب نبيل عبد الساتر أن الفن الذي لا يعكس واقع الشعوب ووجعها وقضاياها الشريفة والمحقة ليس بفن، وهو الذي يواكب المشهد منذ البداية كغيره من المعنيين بتعميم ثقافة المقاومة الفنية الملتزمة كحالة دائمة تستدعي الدعم. فكان العمل الفني «صفر المسافة» الذي كتب كلماته على إيقاع خطوات المقاوم الذي وضع العبوة على الدبابة.
الأغنية الملتزمة كتبت التاريخ المقاوم
وأكد عبد الساتر لـ»البناء» أن الكثير من الأغنيات الملتزمة بمفهوم المقاومة ترسخت في العقول، فقال: «جميعنا ربينا على «أصبح الآن عندي بندقية»، و»منتصب القامة أمشي»، و»أناديكم» والكثير من الأغنيات والأعمال التي ترسخت في العقول وكتبت التاريخ المقاوم، حتى الأناشيد الحزبية خاطبت الوجدان بما فيها من عنفوان مثل «أضرب والريح تصيح» وغيرها وخلقت حالة شعبية ورافقت أجيالاً متعاقبة وتناولت قضية مقاومة، ولا ننسى أيضاً أعمال الفنانة جوليا التي طبعت بصمة هامة في المسار المقاوم».
وأردف: «الفن الذي لا يُحاكي قضايا المجتمع ليس بفن إنما عبارة عن طبل فارغ، والفنان الذي لا يتفاعل مع القضايا المحقة ليس بفنان إنما هو تاجر».
التحدّي في مواجهة التسطيح
و»فناني الإقامة الذهبية»
ورأى عبد الساتر أن الكثير من الفنانين يتجاهلون ما يحصل في غزة وفي الجنوب اللبناني لأنهم لا يجرؤون على التعبير حفاظاً على مصالحهم، فقال: «المؤسف أن هناك الكثير من الفنانين اليوم يمكن أن نسميهم «فنانو الإقامة الذهبية» وهؤلاء لا يجرؤ أي منهم على الإدلاء بتصريح يناقض سياسة «إقامتهم الممنوحة»، وكأن ما يحصل في غزة لا يعنيهم أو الأصح هم يتصرفون وكأنه لا يوجد حرب إبادة وقتل بحق الأطفال والنساء والشيوخ ولا يوجد تدمير ممنهج للمشافي وحتى لمراكز الإيواء، هؤلاء الذين لا يخرجون بتصريح أو تلميح متصل بغزة كيف لنا أن نتوقع منهم أن يخرجوا بعمل فني ضمن هذا الإطار!؟».
واعتبر عبد الساتر أن المعركة مع فعل التسطيح قائمة ليس على الصعيد الفني والعسكري كل في ميدانه وحسب، إنما في العالم الافتراضي أيضاً، فقال: «الأعمال الملتزمة بالقضايا الوطنية المحقة من المفترض أن تكون قادرة على مواجهة ما نشهده من تسطيح فني، ومن جهتي أعتبر أن معركتنا مع هذا التسطيح الفني والإلكتروني أساسية، وعلى سبيل المثال في ما يتصل بمنصات العالم الإفتراضي فقد كنت من أشد الرافضين لتطبيق «التيك توك» ولكن في مرحلة معينة تمكن كثيرون عبر هذا التطبيق من قلب المشهد بحيث انتشرت مقاطع تنقل واقع إجرام العدو والمحتل بحق الفلسطينيين أهل الأرض، وانتشرت مقاطع فنية هادفة تظهر بشاعة هذا الكيان الغاصب. وهنا يتجسد التحدّي بتطويع العالم الافتراضي بشكل يخدم القضية وانقلاب المشهد ضد من عمد إلى تشويه الحقيقة والتاريخ بحيث أدرك العالم حقيقة «إسرائيل» العدو القاتل وخرجت المظاهرات في كل العالم مناصرة للقضية الفلسطينية».
الفن المقاوم حالة ثقافية مستمرة
وشدّد على أهمية أن تكون الأعمال الفنية المقاومة حالة ثقافية مستمرة تلقى الدعم اللازم، بالقول: «الأعمال الفنية التي تحاكي الفعل المقاوم لا يجب أن تكون حالة آنيّة إنما حالة ثقافية مستمرة ودائمة، لأننا نعيش على حافة النار بجوار عدو مفترس ومتوحش لا يردعه شيء سواء في حال الهدنة أو في حالة الحرب، الأمر يتطلب تشجيعاً بشكل أشمل ودعماً مادياً كبيراً، حيث أن كل ما يُقدم في هذا الإطار عبارة عن مبادرات فردية».
وختم: «بالنسبة لي شخصياً فكرة «صفر المسافة» هي وليدة اللحظة التي رأيت فيها المقاوم يركض نحو الدبابة ويضع العبوة عليها، فكان المطلع الذي يقول «صفر المسافة للموت ما بنهاب/ دمرنا الدبابة الله محيي الشباب». خلاصة القول إن الفنان الحقيقي أو الشاعر أو الكاتب هو الذي يتماهى مع قضايا الشعوب، المقاومة إحساس لدى كل إنسان حرّ وشريف، ولكن هناك من لديه القدرة على التعبير بطريقة أدبية أو شعرية أو غنائية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى