نقاط على الحروف

كلام خطير للسنيورة أبعد من حرب غزة

ناصر قنديل

يشكل التيار الذي يروّج لمفهوم التطبيع مع كيان الاحتلال الذي سُمّي تجاوزاً وتضليلاً بالسلام الإبراهيمي، أقليّة هامشيّة في الرأي العام العربي في مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، ولمعرفة ما فعلته جرائم الاحتلال بأصحاب هذا التيار يكفي قراءة ما كتبه المفكر المصري الدكتور أسامة الغزالي حرب، الذي كرّس حياته للترويج للسلام والتطبيع مع كيان الاحتلال، لمعرفة ما أصاب هذا التيار بنتيجة الجرائم الوحشيّة التي ارتكبها جيش الاحتلال، حيث كتب في مقالته في جريدة الأهرام اعتذاراً علنياً حزيناً عن عمره الذي أضاعه وكتاباته التي كرّسها للترويج لإمكانية التعايش بسلام مع هذا الكيان بعد هذا الكم الهائل والمروّع من الإجرام الذي يختزنه هذا الكيان. ويختم أسامة الغزالي حرب الذي مثل الرمز الثقافي الأبرز لدعوات السلام والتطبيع في العالم العربي بالقول «أقول إني أعتذر عن حسن ظني بالإسرائيليين، الذين كشفوا عن روح عنصرية اجراميّة بغيضة. أعتذر لشهداء غزة، ولكل طفل وامرأة ورجل فلسطيني. إني أعتذر!».
وصلت تداعيات الجرائم الى أن يغرّد رجل ليست له مهنة إلا القانون والتبشير بأن القانون هو الحل، كالوزير السابق زياد بارود أن يغرّد قائلاً «تبقى «الحياة انتصاراً للأقوياء في نفوسهم…» على الرغم من الشعور بشيء من العجز بعدما سقطت منظومة الحماية الدولية للمدنيين، حيث لم يعد ينفع القانون الدولي الإنساني الذي سقط أيضاً على وقع الإفلات من العقاب، بل العجز عن الردع، بعد غزة ليس كما قبلها. الإنسانية باتت وجهة نظر!». بينما كشف استطلاع للرأي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست وأجرته شركة هاريس الأميركية للتحليلات بالتعاون مع مركز الدراسات السياسية الأميركية في جامعة هارفارد، أن أكثر من نصف الشباب المستجوبين بين عمر 18 وعمر 24 عاماً، يعتقدون أن الحل طويل المدى للقضية الفلسطينية هو «زوال «إسرائيل» وإنهاء الصراع»، لتُمنح الأرض المحتلة حالياً «لحركة حماس والفلسطينيين»، بينما قالت نتائج استطلاع رأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عن اتجاهات الرأي العام السعودي في ضوء طوفان الأقصى والحرب التي أعقبتها أن 96 % من السعوديين يعتقدون أنه يجب على الدول العربية قطع جميع العلاقات مع «إسرائيل» احتجاجاً على الحرب في غزة..
أن يبقى الرئيس فؤاد السنيورة صامداً في معسكره الإبراهيميّ، رغم كل ما جرى ويجري، وأن يختار بدلاً من الاعتذار على طريقة أسامة الغزالي حرب، أو إعلان اليأس من الاحتكام الى المرجعيات الدولية التي سقطت سقوطاً مدوياً أمام أشلاء آلاف النساء والأطفال في غزة، كما فعل زياد بارود، أو أن يدعو لقطع جميع العلاقات مع «إسرائيل» احتجاجاً على الحرب والجرائم الإسرائيلية في غزة، كما فعل أغلب السعوديين، فذلك شأنه، وأن يقرّر نصح الإسرائيليين بما عليهم فعله، وأين تكمن مصلحتهم، فذلك شأنه أيضاً، وأن يرى أن الحرب ليست عربية إسرائيلية ولا حتى فلسطينية اسرائيلية بل هي مجرد حرب بين حماس و»إسرائيل»، فذلك شأنه أيضاً، وأن يفرح لمقالة الرئيس الأميركي جو بايدن في الواشنطن بوست ويصحّح له متمنياً لو قال إن حل الدولتين ضرورة للمنطقة وليس فقط للإسرائيليين والفلسطينيين، فكذلك هذا شأنه أيضاً وأيضاً.
في مقال نشرتها الواشنطن بوست يوم الخميس الفائت، يقول الرئيس فؤاد السنيورة كلاماً خطيراً في الشأنين اللبناني والعربي، فهو يركز مقالته على ترويج فكرة قوامها، أن إيران وحزب الله وحماس وأنصار الله والحشد الشعبي في العراق، خطر على العرب وبلدانهم بمثل ما هم مصدر خطر على «إسرائيل»، وأن الوقت لم يفت لإحياء الفكرة التي قام عليها «السلام الإبراهيمي»، وهي التعاون بين العرب و»إسرائيل» لمواجهة هذا الخطر المشترك. وفي هذا السياق يقدّم دعوته لحل الدولتين للتخلص من عبء «طفل المغارة» – «القضية الفلسطينية» الذي يعيق هذا «الزواج المثلي» الذي تأسس عليه مفهوم «السلام الإبراهيمي».
يقول الرئيس السنيورة في مقاله حرفياً، «صحيح أنّ «حزب الله» يشكل خطراً حقيقياً على «إسرائيل»، ولكنه لا يشكل تهديداً وجودياً لها. إن تصنيف التهديد على أنه غير وجودي لا يعني استبعاده أو عدم وجوده، حيث يعرف الإسرائيليون جيداً أنّ إيران ووكلاءها يشكلون تهديداً مماثلاً أو حتى أكبر للدول العربية. ومن ذلك، فإنّ الصواريخ الحوثيّة العديدة التي أُطلقت على إسرائيل يتضاءل عددها مقارنة بالمئات من الصواريخ التي أطلقها الحوثيّون على المملكة العربية السعودية. كذلك، ومن جانب آخر، تشكل الميليشيات الشيعيّة العراقية الخاضعة للسيطرة الإيرانية خطراً أكبر على الدولة العراقيّة ربما أكبر من خطرها على «إسرائيل». ومما لا شكّ فيه أنّ احتضان إيران للإسلام المتطرف يؤدي إلى زعزعة استقرار أوضاع الزعماء المعتدلين في العالمين العربي والإسلامي وبلدانهم. والإسرائيليون بشكلٍ عام لديهم التخوف ذاته والموقف ذاته في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وهذا الفهم المشترك للصورة الجيو – استراتيجية الإقليمية يمكن ان يشكِّل عنصراً داعماً لما يُسمّى «الاتفاقات الإبراهيمية» التي في جوهرها يجب أن تدعو لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم».
أترك للقارئ تقدير خطورة هذا الكلام، الذي ينم بالمناسبة عن جهل بموقع الاتفاق السعوديّ الايرانيّ الصينيّ، الذي أسقط نظرية العداوة المشتركة مع إيران بين «إسرائيل» والسعودية التي يتمسك بها السنيورة. أما رأي شعوب المنطقة بحماس وحزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي وبـ «إسرائيل» فتقوله الشعوب العربية، لكن هل يمكن تخيُّل وجود شخصية لبنانية تولت رئاسة الحكومة لسنوات، تعتقد أن ما يجمعها بـ»إسرائيل» هو العداوة المشتركة مع مكوّن لبنانيّ، هو حزب الله؟ وأن ثمة عائقاً تقنياً يحول دون إشهار التعاون في مواجهة هذا العدو المشترك، اسمه القضية الفلسطينية، وعدم مبادرة «إسرائيل» لقبول حل الدولتين؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى