أولى

«عقدة غزة»… ودلالات بدء تمرّد الجنود الصهاينة على القتال

‬ حسن حردان

أهمّ مستجدّ في اليوم الـ 104 على العدوان الصهيوني الأميركي على قطاع غزة، ما كُشف عن تمرّد خمسين بالمئة من كتيبة احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي على خلفية رفضهم الذهاب للقتال في قطاع غزة بسبب ما قيل انه وجود ثغرات في التدريب، لكن حقيقة الأمر ما اعلنه أحد الجنود بقوله، إن التمرد إنما هو كي لا يموت المزيد مع الجنود في غزة.
هذا التطور ليس عابراً وانما يعكس بدء أزمة في قلب جيش الاحتلال والى اي مدى بات يعاني فيه من الحرب «المركبة والمعقدة» في غزة حسب توصيف قادة جيش العدو، وأثرها على نفسية الجنود واستعدادهم لمواصلة القتال في حرب باتت تحصد منهم يوميا عشرات القتلى والجرحى، من دون تمنكهم من تحقيق الأهداف، وأدت إلى إصابة آلاف الجنود بالإعاقة بعد اصابتهم البليغة في المعارك، وبإحداث اضطرابات نفسية للكثير من الجنود ورؤيتهم الكوابيس خلال نومهم، وارتكابهم أخطاء قاتلة ضدّ زملائهم في ميدان القتال تسبّبت بمقتل العديد منهم عن طريق الخطأ، وجعلت أحد الجنود يستفيق من نومه ويطلق النار على زملائه ويصيب العديد منهم بجراح.
هذه الأعراض والأمراض التي باتت تصيب جنود الاحتلال نتيجة الحرب المستمرة بضراوة في غزة، والتي ألحقت الخسائر الفادحة بجيش الاحتلال تمثلت في آلاف القتلى والجرحى، إذا لم نقل عشرات الآلاف، إلى جانب تدمير وإعطاب أكثر من ألف دبابة ومدرعة وجرافة، ايّ ما يشكل عتاد ثلاث فرق عسكرية.. هذه الأعراض والأمراض، إنما تذكرنا بأعراض مماثلة تعرّض لها جيش الاحتلال الأميركي في حرب فيتنام في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، والتي نتج عنها ما سُمّي يومها بـ «عقدة فيتنام»، ودفعت بالكثير من الأميركيين إلى رفض الخدمة العسكرية في فيتنام ومنهم الملاكم الشهير محمد علي كلاي، وأدّت إلى هزيمة أميركا وإجبارها في العام 1975 على الخروج من فيتنام وعاصمتها الجنوبية سايغون تحت نيران المقاومة التي لاحقت الجنود الأميركيين أثناء انسحابهم، وظلت هذه العقدة تلاحق أميركا لسنوات طويلة إلى أن حاولت الخروج منها بشنّ الحرب على أفغانستان ومن ثم العراق، لكنها فشلت أيضاً وكانت النتيجة تكرار مشهد الهروب من العاصمة الأفغانية، كابول، على غرار الهروب من فيتنام…
على أنّ عقدة غزة وأعراضها وأمراضها التي باتت تصيب جنود الاحتلال وتدفع بهم إلى التمرّد على القتال في غزة، لم تكن لتحدث، لولا المقاومة الشرسة، والقوية، والمؤثرة، والتي أغرقت جيش العدو في رمال ووحول غزة وجعلته عرضة لحرب استنزاف لم يعرف لها مثيلاً في الصراع العربي الصهيوني، وهي تشبه حرب الاستنزاف التي تعرّض لها جيش الاحتلال الأميركي في فيتنام على أيدي الفيتنكونغ، قوات المقاومة الفيتنامي.. حيث نجحت المقاومة في قطاع غزة في الاستفادة من دروسها ومن دروس كلّ المقاومات الشعبية المسلحة المنتصرة، ومنها المقاومة في لبنان، وأضافت إليها خصائصها وتطوّر خبراتها والاستفادة من تجاربها والتقدم في وسائل القتال، ومن دعم دول وقوى المقاومة في المنطقة، لكنها انتهجت بالدرجة الأولى سياسة بناء قدراتها الذاتية ولا سيما صناعة سلاحها وذخيرتها التي تمكنها من مواصلة القتال في ظلّ حصار مطبق على القطاع، إلى جانب تطويع الجغرافيا، اي الأرض، في خدمة ذلك من خلال بناء مدينة من الأنفاق تحت الأرض تقيها من قصف طيران العدو وتوفر لها قدرة المناورة وشنّ هجماتها ضدّ جيش الاحتلال، واستنزافه…
لهذا كله فقد فاجأت المقاومة في غزة جيش الاحتلال بقدرتها وكفاءتها وذكائها ومهارة مقاتليها في القتال وتنفيذ هجماتهم من مسافة صفر ومن ثم التواري عن الأنظار في الأنفاق التي انطلقوا منها…
من هنا نجحت المقاومة في جعل جيش الاحتلال يصاب بـ «عقدة غزة» والتي دللت عليها الاضطرابات النفسية وارتباك جنوده في ميدان القتال، وأخيراً بدء تمردهم على الخدمة في غزة.. ما يؤشر إلى أنّ جيش الاحتلال دخل في مسار سيقود بالضرورة إلى هزيمته أمام مقاومة جهّزت وحضرت جيداً لخوض حرب طويلة النفس، وفرت لها كلّ مستلزماتها، فيما كيان الاحتلال لا يستطيع تحمل الاستمرار في مثل هذه الحرب ونتائجها التي تسبّبها له، إنّ لناحية أعداد القتلى والجرحى الذين يسقطون يومياً، والخسائر في العتاد العسكري، والكلفة الاقتصادية، والتي يزيد منها انخراط قوى المقاومة في المنطقة في شنّ حرب استنزاف ضدّ الكيان الصهيوني من لبنان والعراق واليمن، او لناحية العزلة الدولية التي بات يعاني منها بفعل المجازر النازية التي ارتكبها ضدّ المدنيين وقصفه المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وفرض الحصار على القطاع ومنع دخول الأدوية والغذاء والوقود للسكان.. والتي شكلت مع التصريحات الإسرائيلية بحرق وتدمير غزة وتهجير سكانها، أدلة وبراهين استندت إليها دولة جنوب أفريقيا في الادّعاء على كيان الاحتلال بجرم ارتكاب حرب «الابادة الجماعية» في غزة…
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول انّ جيش الاحتلال بات عالقاً في غزة، وهو مع كلّ يوم يبقى فيه تزداد خسائره وأثرها السلبي الكبير على معنويات جنوده، وتتعمّق الأزمة داخله بسبب ارتفاع خسائره، وانسداد آفاق قدرته على تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة، وإطلاق أسراه بالقوة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى