نقاط على الحروف

السيد إلى مرحلة نوعيّة نحو الداخل والجبهة تنقل دقيق بين فائض القوة والقيمة المضافة

ناصر قنديل

الخطاب المفصلي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء جاء في لحظة مفصلية لبنانية وإقليمية، فاستمدّ منها بعض أهميته، واستمدّ من الموقع المفصلي للمقاومة في لبنان برسم المشهد اللبناني والإقليمي البعض الآخر من هذه الأهمية. فقد بلغ كل شيء مداه في المنطقة، اختبارات القوة ومسارات التفاوض، حيث ثنائية حاكمة، الأميركي والإسرائيلي متمسكان بتحقيق الهدف المتفق عليه منذ السابع من تشرين الأول، وهو استرداد زمام المبادرة السياسي والعسكري الى يد كيان الاحتلال ومحو آثار زلزال الطوفان. وقد اصطدم المسار العسكري بصلابة بنية المقاومة في غزة ونهوض قوى المقاومة في المنطقة، لتظهر معادلة الاستعصاء أمام الرهان. وعلى الصعيد السياسي أكدت الاختبارات التفاوضية أن المقاومة متمسّكة بسقوف لا تراجع عنها يؤدي جوهرها إلى تأكيد نتائج الطوفان، بدلاً من مسحها.
في قراءة المقاومة التي شكلت خلفيّة خطاب السيد نصرالله لا يُقرأ التصعيد على جبهة لبنان مدروساً ومقرراً. ويشير إلى أن استهداف المدنيين بصورة متعمّدة وعبر مستويات يعرف كيان الاحتلال أن المقاومة لا يمكن أن تسكت عنها، ليس منفصلاً عن الاستعصاء العسكري والسياسي على جبهة غزة، للخوض في اختبار آخر يريد استكشاف إمكانية أن تمثل جبهة لبنان مدخلاً لخلق مناخ إقليمي يظهر فيه كيان الاحتلال بموقع الممسك بزمام المبادرة، تأسيساً على ركنين، الأول أن الوضع الداخلي اللبناني متوجّس من أي تصعيد تبدو الاستفزازات الإسرائيلية استدراجاً له، والثاني أن المقاومة أبدت حرصاً دائماً على تفادي ما يمكن أن يفتح مسار الخروج عن السيطرة عبر الصعود المتبادل على سلم التصعيد وزيادة احتمالات التدحرج نحو حرب كبرى، قالت المقاومة بلسان السيد نصرالله إنها لا تريدها.
يأتي كلام السيد نصرالله ليمهّد نحو مرحلة جديدة، يبدو جوهرها كسر الاستعصاء العسكري والسياسي بجرعة من معادلات القوة التي تضخها جبهة لبنان في المشهد الإقليمي، وتكسر خلالها الصورة النمطية المفترضة لما ترسّخ حول فهم إدارة المقاومة لجبهتها كجبهة إسناد. وهو من جهة أولى في خطابه يعيد صياغة سردية متكاملة منطقياً حول كلفة التراجع أمام الكيان وكلفة المقاومة وعائداتها. ومن جهة ثانية يعيد إنتاج النص الرابط بين استقرار لبنان وتحقيق مصلحته الوطنية وبين بقاء المقاومة الفلسطينية في موقع القوة، وهو من جهة ثالثة يخاطب الداخل اللبناني مطمئناً لجهة ترفّع المقاومة كما دائماً عن صرف فائض قوتها لحساب أي تغيير في المعادلات الطائفية والسياسية اللبنانية.
هذا الاستثمار على القيمة المضافة التي تمثلها المقاومة، كمفهوم وخيار في المنطقة، وتقديمه للبنانيين كمصلحة وطنية وتبديد أي ظنون وشكوك تحيط بكيفية تقاسم عائداته ومكاسبه، لا يمكن أن يُقرأ إلا من خلال ما ظهر في خطاب السيد نصرالله من إعادة إنتاج مفهوم تسييل فائض القوة الذي تملكه المقاومة في لبنان وما تمثله في معسكر محور المقاومة، بحيث تكون المقاومة في ضوء قراءتها لعلاقة التصعيد المتعمّد باستهداف المدنيين على جبهة لبنان، بمحاولة كيان الاحتلال اختبار فرصة كسر الاستعصاء العسكري والسياسي على الجبهة الفلسطينية من البوابة اللبنانية، ما يستدعي أن تتولى المقاومة تظهير معادلة جديدة تقول بأنها باتت مستعدة لتجاوز حساباتها السابقة والذهاب الى تسييل مقدار من فائض القوة يتناسب مع ما تمثله موجة الاستهداف الأخيرة لجيش الاحتلال، ولكن على قاعدة الاستعداد للذهاب أبعد وأبعد وأعلى وأعلى دون حذر، لأن كلفة التراجع امام كيان الاحتلال أعلى من كلفة مواجهته، ذلك أن تفادي الانزلاق نحو مناطق خطرة في الحرب هو مسؤولية طرفي الحرب، وعندما يتحمّله طرف واحد فهذا يعني هزيمة هذا الطرف، والتسليم للطرف الآخر بالانتصار فيها.
قال السيد نصرالله إن المقاومة لديها قدرات صاروخية قادرة على استهداف منشآت وتجمّعات كيان الاحتلال وجيشه ومستوطنيه في أي مكان من كريات شمونة إلى ايلات. وهذا يعني أن مدى الحركة سوف يتحرك بين كريات شمونة وإيلات وفقاً لكيفية تصرّف جيش الاحتلال بعد الرد الذي سوف تقوم به المقاومة على استهدافات جيش الاحتلال. والمقاومة سوف تردّ على الردّ، وإن كان استهدافه للمدنيين فسوف تتكرّر القاعدة ذاتها، من كريات شمونة إلى إيلات، جغرافياً، وفق معادلة «بتوسّع منوسّع وبتعلّي منعلّي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى