أولى

لماذا يتجنّد بايدن لفرض صفقة تخرج «إسرائيل» من مأزقها وتنتزع من المقاومة أوراق قوتها؟

‭}‬ حسن حردان
بات واضحاً انّ جلّ همّ الرئيس الأميركي جو بايدن وفريق إدارته، يتركز حول كيفية إخراج «إسرائيل» من مأزق فشل حرب الإبادة التي تشنّها ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، في تحقيق أيّ من أهدافها، وتداعيات هذا الفشل على الداخلين الإسرائيلي والأميركي معاً، والذي أدخل كيان الاحتلال ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في مأزق كبير، فيما إدارة بايدن أصبحت في مواجهة رأي عام أميركي ساخط وغاضب من استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، ودعم بايدن لها.. ولا سيما بعد انتفاضة الطلاب المتصاعدة التي باتت تهدّد البيت الأبيض باستعادة مشهد انتفاضة طلاب جامعات أميركا ضدّ استمرار حرب فيتنام في ستينات القرن الماضي، او ضدّ استمرار دعم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في ثمانينات القرن الماضي…
وفي هذا السياق تفتّق عقل الإدارة الأميركية عن «عرض سخي»، حسب تعبير وزير خارجية أميركا انتوني بلينكن، على حركة حماس قبوله، وعلى الدول العربية، لا سيما قطر ومصر، ان تمارس ضغطها على حماس كي تقبل العرض، وإلا فإنها تتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات.. وهذا العرض جوهره هدنة إنسانية مقابل تبادل الأسرى بشروط إسرائيلية، مع بعض التسهيلات بعودة النازحين الى شمال غزة وإدخال المساعدات وتقليص وجود جيش الاحتلال في القطاع…
هذا العرض الأميركي لا يتضمّن ايّ موافقة إسرائيلية على وقف النار وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع وإعادة الإعمار.. ما يعني عملياً:
أولاً، هدنة مؤقتة تتمكن من خلالها «إسرائيل» من استعادة أسراها، ومن ثم العودة إلى استئناف حرب الإبادة، في ظلّ استعادة التماسك الإسرائيلي حول حكومة نتنياهو الذي أعاد التأكيد بالأمس على أنّ «إسرائيل» لن تقبل بالانسحاب الكامل من غزة، وانّ فكرة وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها غير واردة، وانّ الجيش الإسرائيلي سيدخل إلى رفح سواء كان هناك صفقة ام لا…
ثانياً، انتزاع ورقة الأسرى من يد المقاومة وهي إحدى أوراق القوة المهمة التي تملكها في المفاوضات.
ثالثاً، قيام بايدن بتسويق اتفاق الهدنة في الداخل الأميركي على أنه إنجاز خفف من المعاناة الإنسانية عن أهالي غزة، وأعاد الأسرى الأميركيين مزدوجي الجنسية، بما يمكنه من ترميم بعض شعبيته المتراجعة عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية…
ماذا يعني ذلك؟ وإلى ماذا يدلّ؟
1 ـ يعني انّ واشنطن وتل أبيب تقولان بوضوح لحركة حماس وبقية فصائل المقاومة، بأنّ عليكم قبول التخلي عن ورقة الأسرى، بالشروط الإسرائيلية، وبالتالي الاستعداد لمواجهة استئناف حرب الإبادة من دون هوادة إلى أن تتمكّن «إسرائيل» ومعها أميركا من تحقيق أهدافهما من هذه الحرب، وهي فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، وإعادة تعويم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يمكّن واشنطن من فرض هيمنتها الكاملة عليه، واستطراداً استعادة هيمنتها الأحادية المتراجعة في العالم.
2 ـ يدلّل على أنّ واشنطن وتل أبيب لا خلاف بينهما على السعي إلى أدامة هذه الحرب لسحق المقاومة والقضاء عليها، وإنّ واشنطن أكدت دعمها لمواصلة هذه الحرب عبر تقديم أكبر حزمة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لـ «إسرائيل» بقيمة تزيد عن 26 مليار دولار، وهي تمارس الخداع والتضليل عندما تزعم وجود خلاف مع «إسرائيل» بشأن أهداف الحرب، أو انها تضغط لأجل إدخال المساعدات إلى غزة فيما هي تمدّ «إسرائيل» بالسلاح والذخيرة لمواصلة قتل الفلسطينيين، وتمارس الضغط عملياً على المقاومة لقبول الشروط الإسرائيلية الأميركية، بمقايضة إطلاق الأسرى مقابل تسهيل دخول المساعدات إلى القطاع، وعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال..
كما يدلل على أنّ حرب الإبادة الصهيونية، إنما هي أيضاً حرب أميركية، على نتائجها يتوقف مستقبل المنطقة والعالم، كما يتوقف مستقبل القضية الفلسطينية، وكيان الاحتلال.. فانتصار المقاومة، الذي يتوّج بفشل «إسرائيل» وأميركا بتحقيق أهدافهما من هذه الحرب، يعني انتصاراً كبيراً لمشروع وخيار المقاومة المسلحة في فلسطين وكامل المنطقة، وتراجع كيان الاحتلال وتفجّر التناقضات والصراعات داخله وتآكل المشروع الصهيوني، واستطراداً إسدال الستار على خطط واشنطن وأحلامها لفرض سيطرتها على كامل المنطقة وتعويم هيمنتها في العالم.. لهذا فإنّ الحرب غزة باتت حرباً مفصلية لجميع الأطراف،
لذلك من الطبيعي أن ترفض حركات المقاومة الفلسطينية وفي المقدمة حركة حماس هذا العرض الأميركي الإسرائيلي المفخخ، وان تؤكد على شروطها لتبادل الأسرى، والتي إذا ما قبل بها كيان العدو ستعني إقراره بالهزيمة أمام المقاومة والتسليم بفشله في تحقيق أهدافه من هذه الحرب..
من هنا فإنّ حركات المقاومة، بعد التضحيات الكبيرة الذي دفعها الشعب الفلسطيني، وإصراره على الصمود ورفض التخلي عن مقاومته، لم يعد لديها ما تخسره، بل هي من خلال استمرار مقاومتها ورفع كلفة الاحتلال، ورفض شروطه، إنما تفتح أفقاً واقعياً لبلوغ النصر، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة إلى أرضه…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى