أولى

لا تعلنوا سقوط الدولة

التعليق السياسي

 

 

قد يكون النقاش في كل بنود قانون العفو خاضعاً للأخذ والرد من باب قياس المصلحة الوطنية، سواء ما يخصّ وضع آلية للعفو عن المطلوبين بجرائم المخدرات والتمييز بين ما يجب أن يطاله العفو وما لا يجوز بأي شكل من الأشكال إتاحة تسللهم للإفادة من مفاعيله، أو ما يخصّ بما عُرف بقضية الإسلاميين الموقوفين وبينهم مَن أمضى في السجون وقتاً أطول من مدة العقوبة التي ستنزل به لو تمت محاكمته بالتهم المنسوبة إليه، بينما بينهم ملاحقون أو محكومون بجرائم الإرهاب والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية لا يجوز التفريط بالأمن الوطني لمجرد مراعاة حسابات انتخابية وفئوية لبعض الكتل النيابية والزعامات الطائفية.

بالمقابل لا بد من الإشارة إلى أن الأولوية الوطنية اليوم تبقى بالنظر لكيفية إنقاذ البلد من الوقوع في الكارثة، ورؤية أن حجم تعقيدات البحث بتفاصيل وخصوصيات كل عنوان من عناوين المستهدفين بقانون العفو، يستدعي مناخاً سياسياً هادئاً بعيداً عن المزايدات الشعبوية الطائفية، الهادفة لاستعادة زعماء الطوائف لما فقدوه تحت ضغط انفجار الغضب الشعبي في ظل الكارثة الاقتصادية والاجتماعية، ورد الاعتبار للمعيار الطائفي في الاصطفاف السياسي على حساب المعيار السياسي والاقتصادي المؤسس على الخدمة العامة، حيث الأولوية مواجهة الكارثة الاقتصادية.

هذا كله في كفة، والإصرار على الزجّ بقضيّة ضمّ عملاء الاحتلال إلى قائمة المستفيدين من قانون العفو في كفّة، فهو لغم كامل جاهز لتفجير البلد، وإصابة وحدته الوطنية بفتنة، حيث الحديث عن جماعة خدمت الاحتلال وبقيت عشر سنوات من تاريخ حلّ الميليشيات متمرّدة على الدولة لتقتل لبنانيين، وتقيم دويلتها بديلاً من الدولة برعاية الاحتلال، وعندما سقط الاحتلال وأتيحت فرصة العودة للدولة، التي استفاد منها 98% من الذين تورطوا بجرائم العمالة والتقسيم والتمرّد، وعادوا وفقاً لآلية قضائية ميسرة استوعب خلالها المجتمع والدولة نتائج هذه المرحلة السوداء، أصرّ 2% منهم على الالتحاق بالعدو ومشروعه، ووضعوا أنفسهم خارج مشروع الوحدة الوطنية، وسيكون من الكرم الوطني والاجتماعي إبقاء الآلية القضائية القائمة فرصة أمام من يرغب منهم بالعودة، وقد استفاد منها فعلاً خلال عشرين عاماً المئات وعادوا، فكيف يمكن التفكير بتكريم الذين بقوا على خيارهم مع المحتل ومنحهم الأوسمة على الجرائم التي ارتكبوها بصفتهم أصحاب مظلومية اسمها الإبعاد وتستدعي الإنصاف بفتح طريق العودة المكرّمة، بما في ذلك من إعلان عن محو آثار التحرير والمقاومة، وإعلان تخلي الدولة عن نسبة كبيرة من مواطنيها الذين كانوا ضحايا جرائم هؤلاء العملاء، ودعوة هؤلاء الضحايا للخروج عن الدولة ونيل حقوقهم التي لا يطويها الزمن بأيديهم. إنها الفتنة بذريعة الوحدة، والجريمة بذريعة الإنصاف، والعمالة بذريعة الوطنية، وسقوط قيم الكرامة بذريعة التسامح، ووضع الندى في موضع السيف كوضع السيف في موضع الندى.

قضية العفو عن العملاء ليست قضية اجتماعية ولا سياسية ولا طائفية، ولا حتى وطنية، هي قضية مبدئية، والسير بشمول العملاء بالعفو جريمة موصوفة، وهو بدون مبالغة إعلان رسمي لسقوط الدولة، بما هي كيان دستوري جامع للمواطنين وفقاً لشرعة الحق والقانون، بما يتضمنه صراحة من إعلان لسقوط الحق وسقوط القانون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى