أخيرة

دبوس

أزمة الفكر الغربي
مأزق الفكر الغربي، أو الجهد العقلي الغربي على إجماله يكمن في أنّ المنبعثات أو الدافع التحفيزي وراء كلّ المجهود الذهني لهذا الإنسان مرتهن للمردود النفعي المادي الحسّي، فالعقل ينتهي به الأمر في واقع الحال، من خلال ديالكتيكية العلاقة بين العقل والذات الإنسانية إلى تابع يمارس دور المخطط والمنظّر ومن ثمّ المبرّر للرغبات الآنية الذاتية، والنزوع نحو المراكمة المادية النفعية الحسّية…
لن أبالغ إذا ما قمت بالتقرير انّ تلك الرحلة المفعَمة بالعبر، والتي تحدث عنها القرآن الكريم، والتي اصطحب فيها سيدنا الخضر موسى لسبر أغوار الحقيقة الربّانية، والخلاصة المطلقة التي ترتبت عليها تلك الرحلة، وهي إنذار لبني البشر كيلا تخدعهم الطبيعة المخاتلة للأمور، فليس كلّ ما يلمع ذهباً، ولا تحكموا على الأمور من مظهرها، ثم، عسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى ان تحبّوا شيئاً وهو كره لكم، ولعلها – هذه الرحلة – كانت رداً مبكّراً جداً من عند الله لما هو آتٍ بعد أكثر من ألف عام على التغوّل الاستعماري الاحلالي، وعلى الثورة الصناعية التي رأى فيها هذا الإنسان إنجازاً مبهراً لمنفعة الإنسانية…
إلا ان المؤشرات البيئية، والتوازن الكوني الربّاني لهذا الوجود تؤشر إلى كارثة وجودية تهدّد الحياة الإنسانية على إطلاقها، وتنذر بنهاية حتمية لهذا الكوكب نتيجة للإخلال المريع بالتوزيع الطبيعي للثروات الإنسانية بسبب النهج الاستعماري وتوحّشه، وكذلك التغيّر المناخي وتداعي النسق الفطري الرباني الطبيعي لكوكبنا بعد ان ترتب على ما يُدعى بالثورة الصناعية، شفط كميات طائلة تعادل 50 بليون مرة الكتلة النوعية للإمبيرستيت من المواد الخام، ومكونات الطاقة، ليجري بعد ذلك إحراق الجزء الأعظم منها على سطح الكرة الأرضية، وقوداً لأكثر من 1.5 بليون حافلة تدبّ على سطح الارض، ثم توقّع هذا الإنسان القاصر انّ شيئاً لن يحدث لهذه الأرض،
فالمندفع لكلّ ذلك كان الإبهار الصناعي، والأرباح المترتبة عليه، وقفزات صناعية تكنولوجية الى مناطق مخيفة تطلبت إحداث قدر هائل من المظالم لبقية سكان الأرض، بسبب الرغبة في الاستحواذ على المواد الخام والطاقة، المشهد الخارجي مبهر الى درجة الإعجاز، ولكن العواقب في المدى البعيد كارثية الى درجة الفناء الكلي لبني البشر…
هذا بالضبط ما قالته قصة موسى والخضر، لا يغرّنكم ما ترونه على السطح، فالمادة مخاتلة، والأمور لا يُحكم عليها من ظاهرها، العقل من الناحية الموضوعية الوظيفية دوره هو الارتقاء بالذات الى مناطق متسامية بعيداً عن المركز، انسجاماً مع الانتفاضة الكونية، وهو ما يحمل في طياته مقاومة الانهيار الجذبي والرغبة في الاستحواذ والمراكمة، والارتقاء بالذات الموضوعية الى نكران الذات والقيمية الاخلاقية، والتعالي ونبذ الانانية…
العقل الغربي في توجهه الكلي يناقض ميكانيكياً التوجه المطلق للارادة الالهية، ولتلك الانبثاقة الكونية الراضخة للإرادة الإلهية في الابتعاد عن المركز ونبذ المراكمة والتكدّس، فهذا العقل الغربي، آثر لنفسه ان يبقى ملتصقاً بالمركز، عبداً مطيعاً للمركز وللنهج المادي، خادماً للرغائبية المادية والمنفعة المادية، والديدن دائماً هو النفع المادي الحسّي، سيبدأ الإعلام الأوليغارشي بالتزحزح عن سرديّته العقلية المنحازة بشكل مطلق للكيان القاتل فقط حينما يحسّ بأنّ تبنّيه لهذا الموقف، ولتلك السردية بدأ يعود عليه بالخسارة المادية المباشرة، ساعتئذٍ، وساعتئذٍ فقط سيبحث عن سردية أخرى تبقي على تدفق المشاهدين والمتابعين، ومن ثم تدفق الإعلانات والأرباح المادية الى جيوب مالكي هذه الكتل الإعلامية.
سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى