استنفار دولي إقليمي داخلي حول الجيش واشنطن تدعم هدنة غزة وحرب عرسال
كتب المحرر السياسي
كلّ المؤشرات مختلفة هذه المرة في غزة، في الميدان كما في القاهرة، استعدادات لتفاوض جادّ لصياغة تفاهمات قادرة على صناعة تهدئة طويلة، ترتبط بصورة عضوية كما قال قيادي فلسطيني مشارك في المفاوضات، بفتح المسار السياسي الفلسطيني – «الإسرائيلي» مجدّداً تحت رعاية وضوابط تسمح على الأقلّ باستيعاب التفاوض للإفراج عن الأسرى، وبرمجة فك الحصار بالتناسب مع خطوات أمنية فلسطينية ودولية تشبه تلك التي رافقت القرار 1701 في لبنان، مع فوارق تسعى «إسرائيل» إلى فرضها، بإحراج فصائل المقاومة بتأييد المسار التفاوضي كجزء من سلة التفاهمات، وإصرار المقاومة الفلسطينية على حصر الأمر بالسلطة مع إلزامها بسقف مطالب، لا يتنازل عن دولة على الأراضي المحتلة وفق حدود الرابع من حزيران عاصمتها القدس الشرقية وحلّ قضية اللاجئين بضمان حق العودة.
المتفاوضون يعلمون أنّ الجانب السياسي سيبقى لتزيين الحلّ الأمني، ومنحه نكهة تتيح الترويج لمرابح وخسائر، بينما الأكيد أنّ الربح الأميركي هنا يتقدم على منح «الإسرائيلي» مخرجاً يبرّر فيه هزيمته، كما هو الحال بالنسبة إلى منح المقاومة للسلطة مخرجاً يبرّر شراكتها بالحلّ عبر ربط الأمني بالسياسي، لكن في النهاية ستكون المسألة وفقاً للقيادي المفاوض عن أطراف المقاومة، الحلّ سيبقى أمنياً، وقف للنار مقابل فك الحصار.
واشنطن التي أيدت هدنة غزة أيدت حرب عرسال التي يخوضها الجيش اللبناني، وبدت وراء إطلاق مناخ دولي غربي داعم للجيش اللبناني، واستطراداً موقف سعودي، وبالتالي موقف لتيار المستقبل، تماماً كما كان الحال مع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، والتراجع عن الخطاب التصعيدي بشرط انسحاب حزب الله من سورية.
واشنطن تسلّم بأنّ الحرب على داعش لا تحتمل وضع شرط دعمها الدعوة لسحب حزب الله من سورية، وهو الهدف الذي كانت واشنطن وراءه، تماماً كما كانت وراء ربط مشاركة المستقبل في أي حكومة مع حزب الله بالشرط نفسه، وكانت هي نفسها وراء التراجع عنه.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، هذا هو وضع اليرزة، تجهيزات وعتاد وغرف عمليات متنقلة، وتعبئة قوى وكتائب واتصالات ديبلوماسية لتحريك صفقات السلاح والعتاد والذخائر، خصوصاً الطوافات والصواريخ التي يتمّ تذخيرها بها.
وحدها قطر وبعض ممثليها المحليّين، انشغلوا بالوساطة لهدنة ثم تطويرها إلى اتفاق أبعد مدى، كان ما تسرّب منها كأفق، ما طرحه القطريون من تفاهم مشترك مع حزب الله وتالياً مع الدولة السورية لمقايضة استرداد عرسال وجرودها من أيدي المسلحين، مقابل تأمين انسحاب هذه المجموعات المسلحة بصورة آمنة حتى الحدود مع تركيا، استلهاماً لتجربة انسحاب المسلحين من حمص القديمة قبل شهور، وجاء الضغط العسكري الناجح للجيش اللبناني ليعطي هذا التحرك زخماً من دون أن يتبلور شيء يمكن ذكره بعد.
لم تكد تمضي ساعات قليلة على هدنة الـ24 ساعة بين الجيش والمسلحين في عرسال، حتى خرقها الإرهابيون بقصف مفاجئ على موقع للجيش في منطقة وادي الرعيان مطلقين النار على مدخل البلدة لمنع العشرات من المدنيين والجرحى من مغادرتها، ما استدعى رد الجيش على مصادر النيران ليسود بعد ذلك الهدوء الحذر محاور القتال. لكن اشتباكات أخرى اندلعت في أحياء عرسال استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة تبين أنها بين جبهة «النصرة» و«داعش» على خلفية الهدنة التي اعترضت عليها الجبهة.
وكانت المساعي التي بذلها وفد هيئة العلماء المسلمين مع مسؤولي «داعش» في عرسال أثمرت اتفاقاً لوقف النار يبدأ السابعة من مساء أمس ويتضمن مرحلتين:
الأولى، وقف إطلاق النار وإدخال مساعدات إنسانية وغذائية إلى عرسال وإجلاء الجرحى. والثانية بعد ثبات عملية وقف إطلاق النار، يتم الإفراج عن جميع المحتجزين من أفراد القوى المسلحة اللبنانية، وانسحاب المسلحين من عرسال.
ونقل الوفد هذه المبادرة إلى رئيس الحكومة تمام سلام الذي عقد اجتماعاً مسائياً في السراي الحكومية ضم وزير الداخلية نهاد المشنوق، وزير العدل أشرف ريفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير وفاعليات من عرسال. وأجرى رئيس الحكومة خلال الاجتماع اتصالاً بقائد الجيش العماد جان قهوجي للتشاور معه في ما توصلت إليه مساعي هيئة العلماء فأبلغ قهوجي سلام موافقته على هذه الصيغة، والتزام الجيش الهدنة، مؤكداً بقاء الجيش على تأهبه الكامل وعدم التساهل مع أي خرق من قبل المسلحين.
وعلمت «البناء» أن المسلحين طالبوا أيضاً بـ «الإفراج عن جميع الموقوفين المقاتلين لدى الجيش وعدم اعتقال أي آخر من المخيمات وعدم التعرّض للمسلحين خلال عملية الإنسحاب» في مقابل «الإفراج عن العسكريين المعتقلين لديهم وانسحابهم من بلدة عرسال ومن مواقع الجيش التي سيطروا عليها إلى خارج الأراضي اللبنانية باتجاه القلمون السورية».
وأفادت المعلومات أن مجموعات المسلحين بدأت عقب الإعلان عن «هدنة لـ24 ساعة» مغادرة جرود عرسال باتجاه الأراضي السورية. كما علم أن نحو 1000 عائلة سورية ستغادر عرسال، بمواكبة من الجيش اللبناني الذي سيقوم بإخراجها من البلدة بواسطة الباصات عبر تنية الراس باتجاه جوسيه ثم قارا على المقلب الشرقي للسلسلة الشرقية القريبة.
تشكيك في نيات الإرهابيين
لكن مصادر وزارية شككت بنجاح مبادرة هيئة العلماء، وقالت لـ «البناء»: «إن لا أفق لهذه المبادرة طالما أن المجموعات الإرهابية تصرّ على أخذ أبناء عرسال كدروع بشرية». وأكدت أن المسلحين لم يدخلوا عرسال ليخرجوا منها، خصوصاً أن مخطط الإرهابيين يستهدف جعل المدينة قاعدة لأعمالهم الإرهابية باتجاه لبنان وسورية.
ولم تستبعد المصادر أن يكون طلب المسلحين لوقف النار هو محاولة لكسب الوقت لا أكثر، خصوصاً أن الجيش يدفع ضريبة كبيرة جرّاء الاعتداءات التي تعرّض لها.
بري: لا علاقة للجيش بالتسويات
وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره مساء أمس، أن لا علاقة للجيش بما يُحكى عن تسويات، لكنه رأى أنه إذا انسحب المسلحون من عرسال وتم الإفراج عن العسكريين فهذا أمر جيد.
وأكد أنه «بعد انتهاء المعركة مع الإرهابيين في عرسال يجب أن تلتفت الحكومة إلى معالجة موضوع النازحين السوريين، فهذا الملف بات بحاجة إلى معالجة سريعة بعد أن تبيّن أن المسلّحين يختبئون بين النازحين». كما أشاد بري بموقف الحكومة أول من أمس وموقف الرئيس سلام وقال: «إن ما عبّر عنه سلام يعبّر عن موقف مجلس النواب».
وكانت الاشتباكات تواصلت أثناء النهار في عرسال وتركزت في نقطة رأس السرج ووادي حميد، واستعملت فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بعدما طوق الجيش اللبناني التلال في وادي الرعيان ووادي عطا على تخوم المرتفعات المطلة على البلدة من الجهة الشرقية لتضييق الخناق على المسلحين. واستعاد الجيش مبنى المحكمة الشرعية الذي يتمركز فيه المسلحون ومحيط مبنى الجمارك داخل عرسال.
ومساء أمس، ألقى الجيش القبض على أحد عناصر «داعش» المدعو سليمان خالد العلي في دورس ـ بعلبك، في حين أفادت قناة «المنار» عن مقتل المسؤول عن صناعة المتفجرات لاستخدامها في تفخيخ السيارات المدعو أبو حسن الحمصي في اشتباكات عرسال. في حين أفرج المسلحون عن ثلاثة محتجزين من قوى الأمن الداخلي.
اعتداءات على الجيش في طرابلس
ولم يكن الجيش في طرابلس في منأى عن أحداث عرسال. إذ على اثر شيوع نبأ إصابة الشيخ سالم الرافعي في البلدة اندلعت اشتباكات بين وحدات الجيش والمسلحين عند مداخل التبانة، استمرت حتى ساعات الفجر وتعرضت حافلة تابعة للجيش تقل عسكريين في محلة الملولة إلى إطلاق نار ما أدى إلى إصابة سبعة عسكريين بجروح كما توفيت طفلة اثر إصابتها بطلق ناري في باب التبانة.
وتداركاً لتمدد المعارك إلى مناطق أخرى، عقد اجتماع أمني في مكتب مدير فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد علي شحرور، ضمه ووفداً من القوى الفلسطينية في عين الحلوة، من أجل إبقاء الوضع في المخيم هادئاً، وتجنيبه أية ارتدادات لما يجري في عرسال.
قهوجي يستعجل الأسلحة
في غضون ذلك، طالب العماد قهوجي بالإسراع في تزويد الجيش بالأسلحة الفرنسية، محذراً في حديث لـ «وكالة الصحافة الفرنسية» من خطورة الوضع في عرسال، ومؤكداً مواصلة الجيش المعركة مع مسلحين هاجموا مراكزه اثر توقيفه قيادياً في داعش.
وفي السياق ذاته، حذّر رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون من التفاوض مع الإرهابيين، مطالباً بالتفاوض مع سورية لمصلحة جميع اللبنانيين. وأشار إلى أن الحدود مسؤولية لبنانية سورية، آملاً أن تعطي الحوادث الأخيرة في عرسال المعنيين، عبرة لحل أزمة النازحين.
ورفض عون مقولة إن حزب الله بمشاركته في الحرب السورية يتحمل مسؤولية دخول الحركات التكفيرية إلى عرسال وغيرها، مشيراً إلى أن الأحداث في تونس بدأت من دون أن يكون حزب الله موجوداً هناك، وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا، كما أن عقاب صقر «عمل في توزيع الحليب والحفاضات للأطفال» قبل أن يكون حزب الله هناك. وقال: «كل النيران اشتعلت من دون أن يكون حزب الله موجوداً. يكفي الكلام عن هذه الخزعبلات».
وفيما نفى حزب الله تدخله في مجريات ما حصل ويحصل في منطقة عرسال، مؤكداً أن ما يجري ميدانياً من معالجة للوضع العسكري وحماية الأهالي والتصدي لجماعات المسلحين الإرهابيين هو حصراً من مسؤولية الجيش اللبناني، حملت كتلة «المستقبل» الحزب ومن يتحالف معه «جزءاً كبيراً من مسؤولية ما تعرضت له بلدة عرسال وما يتعرض له لبنان وجيشه». بدورها، اقترحت قوى الرابع عشر من آذار بعد اجتماعها في بيت الوسط ما اعتبرته «خطة إنقاذية عاجلة» تقوم على الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إطلاق سراح جميع المحتجزين من الجيش اللبناني والقوى الأمنية وانسحاب جميع المسلحين غير اللبنانيين من بلدة عرسال ومحيطها إلى خارج الأراضي اللبنانية. ودعت الحكومة إلى الطلب رسمياً من مجلس الأمن الدولي أن تشمل الإجراءات التي يتيحها القرار 1701 مؤازرة انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية- السورية.
كما دعت إلى إقامة مراكز إيواء منظمة ومنضبطة على مقربة من الحدود اللبنانية السورية لكي تتمكن الدولة اللبنانية من تنظيم وضبط وجود هؤلاء النازحين أمنياً واجتماعياً وإغاثياً لكي يتمكنوا من العودة في القريب العاجل إلى ديارهم.
انقسام 14 آذار
وكشفت مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» أن الآراء خلال اجتماع الكتلة وكذلك داخل اجتماع 14 آذار كانت متباينة في موضوع حزب الله. ففيما تمنت بعض الشخصيات عدم الإشارة إلى تدخل حزب الله في سورية في البيان والتركيز على ما يجري في عرسال والتشديد على دعم الجيش اللبناني وضرورة تسليحه وحماية المدنيين، وإطلاق سراح جميع المحتجزين من الجيش اللبناني، رفضت شخصيات أخرى ذلك وأصرت على تحميل حزب الله المسؤولية.
مواقف دولية داعمة للجيش
أما في المواقف الخارجية من العدوان الإرهابي على الجيش، فلوحظ أن السفير الأميركي في بيروت ديفيد هِل زار أمس كلاً من السراي وعين التينة، داعياً إلى عزل لبنان عن الصراعات الإقليمية من خلال سياسة النأي بالنفس، مكرراً دعم بلاده «للجيش والقوى الأمنية على مواجهة هذا التحدي».
وعلم أن الرئيس بري أثار مع السفير الأميركي مسألة تسليح الجيش، وقبل ذلك مع السفير السعودي في بيروت وتلقّى وعوداً إيجابية بذلك.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الموقفين السعودي والفرنسي حيال التسريع في تقديم المساعدات للجيش جاء نتيجة اتصالات لبنانية حثيثة مع الجانبين لتحريك «الهِبة» السعودية للبنان.
وفيما أعلن الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز خلال اتصال بالرئيس السابق ميشال سليمان وقوف بلاده إلى جانب الجيش بمواجهة الإرهاب وعزمه الإسراع بتنفيذ الدعم الاستثنائي له، أعلنت الخارجية الفرنسية أن باريس ترغب في الاستجابة السريعة وتلبية احتياجات لبنان من الأسلحة.
كذلك ندّدت الخارجية الروسية بالهجمة الإرهابية لـ«داعش» على عرسال معربة عن دعم روسيا الكامل للبنان.
ونقل الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان روث ماونتن إلى الرئيس سلام دعم مجلس الأمن الدولي الذي عقد جلسة مشاورات أول من أمس في نيويورك، جهود الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في معركتهما ضد الإرهاب وتأمين ما تحتاجه القوات المسلحة لمواجهة التحديات. وطالب جميع الأفرقاء اللبنانيين بالمحافظة على الوحدة الوطنية في مواجهة ما يتعرض له البلد من محاولات لزعزعة استقراره.