اختلفوا على عدد المقاعد فهل يبنون وطناً؟
جمال العفلق
كثيرة هي تلك الأخبار التي نسمعها عن المعارضة وأفعال المعارضين. بياناتهم لم تختلف كثيراً عن تلك التي أطلقتها قناة الجزيرة عندما كانت تدير أعمالهم، وقبل تشكيل ما سُمّي حينها «جماعة إسطنبول» وفي ما بعد ما سُمّي بـ«ائتلاف الدوحة» الخائن، كما أصفه دائماً. وتتالت الأسماء والمسمّيات حتى وصلنا إلى «الهيئة العليا للمفاوضات» ومقرّها الرياض، وهي تلك الهيئة التي لا تملك من أمرها شيئاً.
قد يعتقد البعض أنّ هذا تجنّياً وتحاملاً على خصوم، ولكنّ الواقع الحقيقي أنّنا لا نجد فيهم خصوماً بالمعنى الحرفي للكلمة، إنّما هم مجموعات تمثّل مصالح دول اختارت طريق العداء للشعب السوري، وهم بالأصل يمثّلون مشروعاً ليس بالجديد، وُلد في ثمانينات القرن الماضي وتحدّثت عنه الصحف وأُعلن عنه تحت اسم «الشرق الاوسط الجديد»، وهو «الشرق» الذي يخدم حماية الكيان الصهيوني ويحوّل المنطقة إلى خراب ودويلات ضعيفة، تكون أرضاً خصبة لتجربة كافّة الأسلحة المتطوّرة، وبنفس الوقت تبقى على صفيح ساخن قابل للانفجار كلّما أراد رئيس في الغرب تقديم برنامجه الانتخابي.
وبالرغم من ادّعاء المعارضين ومن في فلكهم أنّهم مدركون ويفهمون اللعبة، إلّا أنّهم يرفضون العمل من أجل الوطن وليس لكلمة وطن معنى لديهم، إنّما هي مجرّد حشو يمرّ في بياناتهم وخطاباتهم التي يدّعون فيها دائماً أنّهم يمثّلون مصالح الشعب السوري، وقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك بقولهم إنّهم الممثّلون الوحيدون لمصالح الشعب السوريّ!
ومن يذكر حكايات «جنيف» الأول والثاني، وعدد المقاعد وطلب بعض المعارضين أخذ أسرهم وزوجاتهم معهم للتسوّق والسياحة أثناء انعقاد المؤتمر، وكلّ هذا من أجل مصالح الشعب السوري. وما حدث في أستانة بوجود خمسة عشر مفاوض برفقة واحد وعشرين مستشار، يفهم من هي المعارضة التي ابتلى فيها الشعب السوري ومَن الذي أدخلها في أنوف السوريّين عنوة.
لا مشكلة بأن يوجد في أيّ بلد فريق يحكم وآخر يعارض، وهذا من طبيعة السياسة ومن طبيعة الحياة أنّ لكلّ أصل ضدّ يخالفه ويختلف معه، ولكن ما نعاني منه اليوم أنّ الذين فرضهم الإعلام والإعلان علينا ليسوا خصوماً ولا أصحاب مشاريع بناءٍ للوطن، إنّما صراعهم الجوهري هو الحكم والصلاحيات والمميّزات. وبمعنى أكثر دقّة، أن تكون معارضاً تتلقّى الرواتب والأموال أو وزيراً لك سقف راتب محدّد، وتبدأ المقارنة بعرض العمل هذا… وبأكثر الأحيان تسيطر على المعارضين فكرة البقاء بالخارج، فمكاسبها أكثر على المدى البعيد، ولهذا كلّما فكّرنا أن نقرأ برنامج عمل المعارضة على الأرض، نجده متمحوراً حول صيغة السلطة لا العمل الوطني، ولا يمكن أن ننسى طبعاً أنّ هذه المعارضة أعلنت الولاء لما يسمّى «إسرائيل»، وليس في أدبيّات المعارضة كلمة أراضٍ محتلّة. أمّا تركيا، فبالنسبة لهم لا تمثّل خطراً على المنطقة، بل غرقوا أكثر بالولاء لأردوغان والتصفيق له عندما عزل آلاف الخصوم له بعد عملية الانقلاب المزعومة التي حدثت في تركيا في العام الماضي.
ليس لدينا أيّ شيء شخصي مع أيّ اسم، ولا نحمل أيّة أحقاد ولا نمارس سياسة الإقصاء أو الإبعاد، كلّ ما في الأمر أنّ المسافة بيننا وبين المعارضة هي وطن. والوطن ليس مجرّد خارطة أو صورة أو نقاط حدود بالنسبة لنا، الوطن هو العالم بأسره وهو شمسنا التي تضيء عتمة هذه الأرض.
فالخلاف إذن، أنّهم يريدون انتزاع الوطن. والمصيبة أنّهم لا يريدونه لأنفسهم، بل لتسليمه جثّة هامدة لا حراك فيها لأعداء لم نصنعهم، إنّما هم أعداء لهم أطماع معلنة، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. والولايات المتحدة التي لم تتوقّف عن دعم الجماعات الإرهابية منذ إعلان تشكيل ما يُسمّى «الجيش الحرّ» مروراً بـ«النصرة» و«داعش»، وصولاً إلى ما أُطلق عليه اليوم اسم الجماعات المعتدلة!
وأيّ اعتدال نتحدّث عنه؟! إنّه الاعتدال الذي انتقل من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي الذي يمارس سياسة السطو المسلّح على العالم بأسره، ويعلن مشاريعه عبر «تويتر» وتصريحات إعلانيّة كلّها تهدف إلى ابتزاز دول العالم، وأوّلها الدولة الخادمة لسياسة الولايات المتحدّة الأميركية.
ذلك الاعتدال الذي يحصد أرواح الأبرياء ويقتل ويشرّد الناس من بيوتهم، هو الاعتدال الذي يُرضي أعداء الشعب السوري، والذي توّجته منظمة العدل الدولية بتقرير، أقلّ ما يمكن وصفه بالتقرير السخيف والمسيّس، الذي يتّهم من يدافع عن الوطن ويحارب الإرهاب بالإرهاب، وينسى كلّ جرائم دول العدوان وأدواتها على الشعب السوري، ويتجاهل الحصار الاقتصادي ومنع أسباب الحياة عن السوريّين. كلّ هذا، ومن يدّعون أنّهم معارضة تمثّل الشعب السوري، متمسّكون بالولاء لأعداء سورية وشعبها، وملتزمون بالبقاء في صف الأعداء لا الوطن. وبالنهاية، هل مثل هؤلاء يبنون وطناً؟ وهل بالفعل هدفهم بناء وطن؟
فكلّ المؤتمرات السابقة والقادمة ليست أكثر من استعراضات ما دام التمويل الدولي للإرهاب مستمرّاً.