في شهر التأسيس… عودة إلى الماضي الجميل ١
الياس عشّي
ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي هذا العام هي الأسوأ بين الأعوام السابقة كافة التي مرّت منذ أن أسّسه أنطون سعاده قبل اثنتين وثمانين سنة فالأمّة السوريّة مشلّعة، وشبح تجزئة أخرى يدقّ أبوابها، والحرب على أرضها حرب شرسة، غوغائيّة، شرهة، غريزيّة، متوحّشة، تآمر فيها أعداء الداخل وأعداء الخارج للقضاء، ليس على الإنسان السوري فحسب، وإنما على حضارة كان لها الفضل في اختراع الأبجدية، وإخراج أمم الأرض من المسموع إلى المكتوب، ومن المشافهة إلى التدوين، ومن الخاص إلى العام، ومن التجريد إلى الملموس، ومن الغابة إلى المدينة.
السوريون القوميون الاجتماعيون الذين لم تفسدهم الخصوصيات، ولم يراهنوا على الجلوس في المقاعد الأمامية، ولم يرتهنوا لسلطة خارجة عن سلطة الحزب، يُختصرون في اثنين: واحدهما شهيد أعاد إلى الأمّة وديعة الدم، والآخر ما زال يؤمن بأنّ «المجتمع معرفة والمعرفة قوّة». والاثنان يتفقان على أنّ العودة إلى المربّع الذهبي من تاريخ الحزب يبدأ بالعودة إلى الماضي، إلى زمن إنشاء المدارس والمعاهد على غرار ما رأيناه في الشام في مطلع الخمسينات من القرن الماضي ويقول سامي أيوب الخوري في ذلك في كتابه «أمل لا يغيب»:
«… مرّت في ذهني مدارسنا مدارس الحزب السوري القومي الاجتماعي التي يزيد عددها على عشرين مدرسة منتشرة في المناطق المحرومة، والتي أصبحت تعتبر من أفضل المدارس الخاصّة بشهادة المفتشين البعثيين أنفسهم. كنت أشرف عليها بوصفي عميداً للثقافة. أنشأت بعضها ونظّمتها وأدرتها كلّها، فكانت بالنسبة لي جزءاً من حياتي، وأفضل ما قام به الحزب في الجمهورية السورية، وأقوى ركيزة لانطلاقه المستقبلي البعيد».
لنأخذ، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، المبادرة أثناء احتفالاتنا، هذه السنة، بذكرى التأسيس، فلا نكتفي بالخطب المعلّبة، ولا بالطقوس الجاهزة، بل لنفتح الأبواب المغلقة، لنعد إلى الماضي الجميل، ونواجه العالم كأنّ كلّاً منّا هو الإنسان الجديد الذي وعد به سعاده الأمّة السورية.
ألم يواجه سعاده العالم بإنسانه الجديد عندما تقدّم الحزب بمذكّرته المشهورة إلى عصبة الأمم يوم برزت مطامع تركيا في لواء اسكندرون، وأخذت تطالب منذ نهاية 1936 بضمّه إلى أراضيها؟ ولو عدنا اليوم إلى التعابير التي وردت في المذكّرة لشعرنا بالاعتزاز، فالحزب «يحتج بشدّة»، والحزب «يحتفظ بحقّ الاعتراض على كلّ قرار يجرّد الأمة السورية من حقوقها».
نِعمَ الخطابُ خطابُك يا سعاده، وبئس الخطب التي نسمعها اليوم من ملوك العرب وأمرائها وبعض «مفكّريها»!