ديكتاتورية الحزبين «Bipartisan Dictatorship» في USA

د. سلوى الخليل الأمين ـ واشنطن

غريب أمر هذا العالم الملوّث بالكراهية والحقد واستعباد الفقير والضعيف، غريب أمر هذا العالم الخالي من الإيمان بالقيم والأخلاق والمثل العليا التي تدرس في الكتب، وتعتمد لها النظريات الفلسفية والتربوية والقواعد السلوكية، وتدبّج لها القوانين المرعية الإجراء.

غريب أمر هذا العالم المشغول دائماً وأبداً بصراع البقاء، وتناتش المصالح، والحرص على الفوز المبرمج على اقتناص الكمّ من المكاسب والمصالح الخاصة، حين كلّ فريق مهما علت رتبه ومراتبه، ومهما امتدّت تلاوين أفكاره صعداً في أذهان بني البشر، نجده توّاقاً إلى رسم أهدافه التسلطية النفعية بمزيد من هدر الدماء، ومن خلال رسم الخطط الجهنمية التي تحدّد خطوطها البيانية طرق المكاسب العليا للدولة القادرة على امتلاك القوة الكونية الجبارة، إضافة إلى شطب القوانين الوضعية والإنسانية والأخلاقية كلها، متى أرادوا، دون أيّ التفات إلى اعتراض قانوني أممي، ما دام الهدف الأسمى هو السيطرة على الشعوب ومقدّراتها وثرواتها، عبر الوسائل الممنهجة، المرسومة بدقة العارف خطوات أقدامه التسلطية الاستعمارية والاستبدادية.

هذا هو حال الولايات المتحدة الأميركية، التي تزعّمت العالم بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بحيث بات الأمر لها كابراً عن كابر، تخضع ملوكاً وتستخلف آخرين، وتدبّج فبركاتها حروباً هنا وهناك، وثروات شعوب تنهبها كيفما يحلو لها، وانقلابات عسكرية تصفق لها الشعوب المضطهدة، المطموس وعيها في قوارير النساء، ومخادع الغانيات، وخزائن بيت المال.

هذه السياسة الخبيثة اللعينة الحاملة لواء العدالة تحت مسمّيات الحرية والديمقراطية، أنتجت حالة انهيارات في العديد من الدول، إنْ في الشرق أو في الغرب أو فوق حدود الغيم، بحيث باتت الحروب والثورات المنظمة جزءاً لا يتجزأ من هيكليات الدساتير التي تتبع مسارها ومعاييرها القوة العظمى، التي تدير العالم من خلف منصّات المكتب البيضاوي في واشنطن، عبر سلطة قائمة على قوة حزبين يتنافسان في السرّ والعلانية على الإمساك بمقدّرات الدولة والشعب في هذه الديار الأميركية الواسعة الأرجاء، التي بلغت حدود ولاياتها الـ52 أرجاء العالم نفوذاً وانتشاراً، برغم الثورات الإصلاحية والوطنية البيضاء والحمراء، التي تحرّض عليها الشعوب والدول المستضعفة، من أجل إثبات الحق المصادر عنوة أو عبر مقاييس ملتبسة تهدر كرامات الشعوب وتذلها طوعاً، حتى لو تمّ الغرق في بحر من الدماء، لأنّ المصلحة الأميركية في نظرهم تبقى فوق كلّ الاعتبارات الدولية والإنسانية وشعائرها المصدّرة.

لقد نسيت الولايات المتحدة الأميركية في خضمّ زهوها بقدرتها الكونية المتمكنة من السيطرة العالمية حتى على عمل المنظمات الأممية الدولية، التي وجدت أصلاً بهدف الحرص على سيادة الدول واستقلالها، ورعاية الجمعيات الدولية المطالبة بالحقوق الإنسانية للبشر أجمعين، أنّ هذه القوانين الدولية تطالها وتخضعها للتساؤلات، حين تجتاح سيادة دولة أو حين تساعد حركة الشعوب التواقة إلى الحرية أو ما شابه بأسلوب مشتبه به، فالغاية تبرّر الوسيلة، والحق للقوة ما دمنا أسيادها… لكن هنا يرتسم السؤال الذي بدأ يشغل بال المواطن الأميركي، والذي لا يدرك مضامينه وأبعاده أحد، ألا وهو هذا المسار الديكتاتوري للحزبين الفاعلين على الساحة الأميركية، عنيت الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يصادران إرادة الشعب الأميركي منذ قيام الجمهورية، بحيث أنّ السلطة لهما مداورة، بغضّ النظر عن انتخابات تبدو للعلن ديمقراطية، فيما هي في الخفاء خاضعة لألف محطة ممنهجة حسب الأصول المتضمّنة نظام الحزبين الديكتاتوريّين الحاكمين، الممسكين بأسرار البنتاغون أيّ وزارة الدفاع الأميركية، وبتشريعات الكونغرس، اللذين يحتلان أكثرية مقاعده، هذا المجلس الذي «استضاف» مؤخراً رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو خطيباً بل محرّضاً، رغم معارضة رئيس البلاد باراك أوباما والعديد من الحزبيين الديمقراطيين، حتى بدا وهو يقدّم خطابه الناري، الذي استخفّ به الرئيس باراك أوباما حين قوله: «لم يأت بجديد»، وكأنه سيّد الدولة الأميركية المتربّعة على عرش العالم قاطبة. الأمر الذي حدا برئيسة الكونغرس السابقة نانسي بيلوسي إلى القول: «لقد دمعت عيني وأنا أرى نتيناهو محتلاً منبر الكونغرس ومستخفاً بالسلطة الأميركية وبشعب أميركا الحرّ».

هذا الأمر يشدّ المواطن الأميركي المستقلّ إلى الاستنهاض المطلوب من أجل التحرك والتساؤل عن مدى استمرار ديكتاتورية الحزبين «Bipartisan Dictatorship « الحاكمين في وطنهم، وهما الديمقراطي والجمهوري، اللذين لا يفسحان المجال للمستقلين بالمشاركة في حكم وطن، لهم ما لغيرهم فيه من حقوق وعليهم ما على غيرهم من واجبات، هذا التململ المبطن بدأ يظهر إلى العلن عند المواطن الأميركي الذي بات متواصلاً مع العالم، ومتابعاً نهماً لما تبثه المحطات الفضائية من عمليات الذبح والقتل والتدمير وتحطيم الآثار التراثية التي تحمل تاريخ حضارات الشعوب المشرقية إلى العالم أجمع، والتي امتدّت من أفغانستان حتى باكستان وصولاً إلى ما سُمّي زوراً ثورات «الربيع العربي»… الذي يشهد دمويته وأعماله الهمجية كلّ بني البشر على مدار الكرة الأرضية، والتي تقوم بها العصابات الإرهابية من «داعش» إلى «النصرة» في سورية والعراق وليبيا ومصر ولبنان بتمويل خليجي ودعم أميركي أوروبي، أضف إلى هذا أنّ المواطن الأميركي لم ينس لتاريخه ما فعلته منظمة «القاعدة» الإرهابية في 11 أيلول 2001 في نيويورك.

المؤسف الذي يطالع من يزور عاصمة القرار العالمي «واشنطن»، هو هذه الصورة المخفية عن وسائل الإعلام في بلادنا، التي تجعل من بعض حكام العرب أداة طيعة في يد السلطة الكونية، التي يبدو جلياً أنها مخلخلة من الداخل، والدليل أنّ رئيسها لم يستطع منع رئيس وزراء إسرائيل من إلقاء كلمته في الكونغرس الذي هو مقرّ التشريع في الدولة الأميركية، التي تتظاهر بالديمقراطية في العلن، وفي العمق يظهر جلياً، لمن يرصد عن قرب متاهات سياستهم الداخلية، أنهم من أشدّ الناس مكراً ودهاء وتسلطاً على بني البشر أجمعين، وفي الوقت نفسه تحكمهم الصهيونية العالمية التي تسعى إلى تحقيق أهدافها المكتوبة مهما طال الزمن، والدليل تفكك أوروبا وعدم توحيد مساراتها، وكذلك خضوع معظم الدول العربية والآسيوية للسياسة الأميركية، بحيث لو تجرّأ بعض الحكام على الخوض في لعبة حماية السيادة الوطنية وثروات شعوبهم، ساعتئذ تتمّ إزاحته أو تصفيته بالسرعة الممكنة عبر كشف ملفات خطيرة ضدّه بعضها مفبرك وقليلها صحيح، علماً أنه لو فكر الحكام العرب بإجراء وحدة اقتصادية وسياسية وعسكرية في ما بينهم، لتمكنوا دون أدنى شك من تأليف قوة ضاغطة قادرة على تحطيم ديكتاتورية هذا الجبروت العالمي، الذي يشبه عش العصافير.

تحية لا بدّ أن أرفعها قبل أن أختم، والثلج تلال وجبال من حولي في العاصمة واشنطن التي أزورها حالياً، إلى المرأة المقاومة الصابرة، التي هي أمّ الشهداء المنضالين والمقاومين الذين بذلوا الروح فداء للوطن، في يوم المرأة العالمي، هذا اليوم الذي يعيد إلى الذاكرة الوطنية أهمية المضامين والأبعاد الحقيقية لنضال المرأة العربية عبر كلّ العصور، وثباتها على المبادئ الوطنية والقومية من خلال تربيتها لأبنائها، المبنية فعلاً على الخروج من عباءة المستعمر والدخول في عباءة الوطن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى